عقيدة التحيز في سياسة أمريكا بالمنطقة
في عام 1988 - كان بيل كلينتون رئيساً للولايات المتحدة - نشرت الصحف الأمريكية الكبرى إعلانات تحتل صفحة كاملة، تحمل توقيع أعضاء في الكونجرس، على خطاب موجّه إلى الرئيس الأمريكي يقول بالنص: «إن سياسة حكومتنا في الشرق الأوسط التي تسعى لأن تكون غير متحيّزة بين العرب و«إسرائيل» - هي سياسة خاطئة»، أي أن التحيّز في نظرهم هو الصواب، أما أن تكون منصفاً، عادلاً، غير ملتزم إلا بما تراه صحيحاً، فهو الخطأ.
ولعلنا نذكر الكلمة الشهيرة للمبعوث الخاص الذي أوفده الرئيس نيكسون إلى المنطقة بعد انتخابه عام 1969، وكان حاكم ولاية بنسلفانيا ويليام سكرانتون الذي قال للصحفيين: إن إدارة الرئيس نيكسون ستتبع سياسة غير متحيّزة بين العرب و«إسرائيل»، ثم عاد سكرانتون بعدها إلى بلاده ليطويه النسيان في الحال، وتختفي أخباره من الوجود، جزاء نطقه بكلمة عدم التحيّز.
في الوقت نفسه توجد في الولايات المتحدة شخصيات أمريكية مرموقة لها ثقلها في بلدها، لها آراء مخالفة لنهج التحيّز، منهم جيمس شليزنجر، ولورنس إيجلبرجر، وبرنت سكوكروفت، وإدوارد جيريجيان، وجيمس بيكر، وهنري سيجمان، وغيرهم، وهؤلاء يجاهرون بآرائهم غير المنحازة في مؤتمرات وندوات.
فما الذي فعلناه نحن العرب، ونحن نقف بين هذين التيارين، أليس من المنطقي أن يقيم العرب جسور تواصل مع هؤلاء، لكي يكون موقفهم أكثر حركة ونشاطاً داخل بلادهم، للترويج للمعنى الذي يتبنونه بأن التحيّز لا يخدم مصالح الشعب الأمريكي ومصالح الأمن القومي لبلادهم، وإن كان التواصل معهم يعدّ خطوة أولى، تلزمها خطوات أخرى مكملة وعملية، تقوم على حشد كافة القدرات العربية وراء خطط تشعر الإدارة الأمريكية، بأن العرب مثل غيرهم، يملكون أدوات ضغط تعزّز مواقفهم وتخدم قضاياهم.
وباعتبار أن «الضغوط» هي مسألة مقررة في العمل السياسي للنظام الأمريكي، إلى الحد الذي يسمح فيه بتواجد قوى ضغط تدعم مصالح دول أجنبية، أبرزها قوة الضغط اليهودية، لكنها ليست الوحيدة من نوعها على الساحة الأمريكية.
وإن ما يطلبه العرب من الولايات المتحدة، مجرد مطلب عادل وبسيط، وهو عدم التحيّز، والتوازن في مباشرة علاقاتها بالجانبين العربي و«الإسرائيلي». والعرب تربطهم بالولايات المتحدة صداقة ومصالح، وهذا المطلب ينسجم مع منطق الأشياء، ومع قواعد العدل، والمبادئ المستقرة عنفاً وقانوناً للعلاقات الدولية.
من ثم لا يكفي أن تظل المطالب العربية مجرد نداء أو مناشدة، فهذا أسلوب لا يجدي مع طبيعة النظام السياسي في الولايات المتحدة. وإذا كانت الولايات المتحدة تعلن من وقت إلى آخر أنها مهتمة بالعمل على إحلال السلام في الشرق الأوسط، فإن التحيّز الذي ما زال يحكم قراراتها حتى الآن، لا يقود إلى السلام، بل إنه يعني «نفض يدها» مما يجري بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين، ودفع الأوضاع بعيداً عن طريق الحل؛ حتى ولو حاولت نظرياً أن تقول بعكس ذلك، وحتى لو كانت الإدارة الأمريكية الحالية تقول إن حربها على الإرهاب يمثّل أولوية لسياستها الخارجية، فإن هناك خبراء أمريكيين أعلنوا مراراً أن سياستها الحالية لا تقود إلى هذه النتيجة، وأن عدم قيامها بدور فاعل بمواصفات الوسيط النزيه، لدفع عملية السلام، والوصول إلى تسوية عادلة للنزاع «الإسرائيلي»- الفلسطيني، من شأنه أن يقود إلى حالة من الاضطراب، وعدم الاستقرار الإقليمي، وهذا بدوره سيؤدي إلى تفشي أسباب الإحباط، التي تمثّل تربة مثلى لنمو الإرهاب.
إن استمرار الإدارة الأمريكية في الالتزام بعقيدة التحيّز، لا يساعد على قيام علاقات طبيعية في المنطقة، بل يسهم في خلق الأسباب التي لا تخدم مصالح أمريكا نفسها في النهاية، وهو ما يتفق عليه عدد من الشخصيات الأمريكية المرموقة.
الخليج الاماراتية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews