موازنة التنفيذ الفعلي لمستهدفات2030

اتضح من خلال القراءة الأولية لبيان الموازنة العامة للدولة: أنَّ مرحلة التخطيط الاستراتيجي قد استغرقت وقتاً كبير وقد جاء الآن دور التنفيذ، وهذا واضحٌ وجلي من خلال تكوين بنود الصرف في الموازنة العامة للدولة وبيان الميزانية من أنَّ هناك تركيز واضح على منظومة الحماية الاجتماعية، ووضع الحزم التحفيزية للقطاع الخاص على سلَّم أولويات التنفيذ لدى الحكومة؛ حيث يتضح من ذلك أنَّ الحكومة تستمع جيداً وترى أهمية مشاركة القطاع الخاص في تحقيق الرؤية؛ لذلك وجهت الكثير من المصادر المالية في هذه الموازنة إلى خلق فرص للقطاع الخاص حتى يؤدي مسؤولياته المنوطة به؛ والأهم من ذلك ينبغي على القطاع الخاص أن يقتنع في أنَّ الفرصة في الوقت الحالي ليست كالفرصة في أي وقت سابق؛ وعليه ينبغي على قادة القطاع الخاص البدء بعمل تحول حقيقي شهدنا بداياته عند بعض رجال الأعمال في فهم المتطلبات المتعلقة في التحول الذي تشهده المملكة بالشكل الذي يحقق النجاح والاستدامة لأعمالهم والابتعاد عن الإشاعات المغلوطة التي بدأت تشيع عن نية الحكومة في العديد من القطاعات التراجع عن سياستها وخططها في إدارة الموارد والتخطيط المالي والواضح هو العكس حيث تظهر الموازنة استمرار الحكومة في نهج الإصلاحات الهيكيلية  للاقتصاد ولن يكون هناك أي تراجع فيما هو مخطط له .

كما يظهر أنَّ الكفاءة المالية أو التوازن المالي تسير في المسار الصحيح فمن خلال مقارنة إجمالي الإيرادات وإجمالي النفقات يتضح أن نسبة العجز من الناتج المحلي هي  4,6 في المائة وهي نسبة متوافقة مع التوقعات، والخطط الموضوعة لتحقيق أهداف التوازن المالي في 2023. والزيادة المتوقعة في حجم النفقات إلى 1,106ترليون بنسبة 7,3 في المائة أكبر دليل على أنَّ هذه الموازنة هي موازنة توسعية بلاشك، ومجموع الإنفاق الراسمالي سيتجاوز 260مليار ريال، بالإضافة إلى تحسن في الإيرادات بنسبة 9% من 895 مليار إلى 975مليار ريال، حيث من المتوقع أن تصل الدولة إلى أعلى نسبة نمو في إجمالي الإيرادات إلى ترليون ويمثل الدخل من الإيرادات غير النفطية وهو ما نسبته 31% من إجمالي الإيرادات .

بشكل عام: نستطيع أن نقرأ ثلاثة مرتكزات في هذه الموازنة أولها : إدارة أفضل للموارد المالية من دون خلق أي أعباء أو ضرائب جديدة وإنما المساهمة في الحصول على دخل أفضل من استغلال الموارد بمافي ذلك رفع كفاءة التحصيل بشكلٍ عام، والخروج من الفكر القديم إلى الفكر الحديث المبني على النظرة المستقبلية في حلّ المشكلات القائمة بأفضل الطرق وقد ظهر ذلك جلياً في موضوع حل الحسابات الحكومية مع شركات الاتصالات والدور الفعال الذي تقوم به الجمارك والهيئة العامة للزكاة والدخل كذلك في تحسين وتسريع حركة البضائع واستخدام التكنولوجيات الحديثة في تحصيل موارد الدولة.

ويمثل المرتكز الثاني في الموازنة على منظومة الحماية الاجتماعية حيث لاحظنا أن هناك توجها في التركيز على حساب المواطن ودمج جميع الجهود في منظومة الحماية الاجتماعية لدى جميع الجهات ذات العلاقة في منصة واحدة ستساهم بلاشك في المساعدة في توجيه الدعم إلى مستحقيه من المواطنين بالشكل الذي يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة .

والمرتكز الثالث: تطوير البنية التحتية والتجهيزات الأساسية والإنفاق الرأسمالي، حيث ستمثل هذه الموازنة نقلة نوعية من خلال التركيز على الإنفاق الرأسمالي في المشاريع الحيوية والبنية التحتية التي ستساهم بإذن الله تعالى إلى إعادة الكثير من القطاعات كقطاع التشييد والبناء والخدمات والسياحة للاستفادة من الإنفاق الرأسمالي ورفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين 

وقد أكدت الموازنة كذلك وضوح منظومة تحقيق رؤية 2030 في اثني عشر قطاع بالإضافة إلى القطاع الثالث عشر المضاف إليها بمبالغ مؤكدة وموضحة في السنوات القادمة تقدر بـ 700 مليار ريال تمَّ تخصيصها لكلّ قطاع وبمدد زمنية يمكن قياس نتائجها بشكل دقيق؛ حيث يتضح من خلال ذلك أننا وصلنا إلى مرحلة مقبولة نوعاً ما في عمليات التخطيط المالي وجاء وقت التنفيذ بشكلٍ واضحٍ وشفّاف مع اعتماد الدولة الطرق المناسبة والآليات في حال وجود أي تعديل طارئ أو عقبة ؛ وهذا لايعني أن نتسرع في البحث عن النتائج؛ لأنَّ أي عملية إصلاح ستأخذ دورتها الاقتصادي كما ذكرت سابقاً، فّإذا نظرنا للأرقام والمؤشرات والتوازن المالي المستهدف في  2023 ستكون إيراداتنا ومصروفاتنا متوازنة وللوصول إلى ذلك ينبغي أن تكون سياسة التخطيط المالي وإدارة الموارد المالية تسير بخطى ثابتة حيث من غير المهم التركيز على الوقت الذي سنحقق به التوازن المالي بل من الأفضل أن نركز على تنفيذ المشاريع ووإدخالها للتشغيل والاستفادة من إيراداتها حيث من المأمول أن نصل في 2023 إلى ترليون دولار في إجمالي الناتج المحلي وسنكون حينها قوة إقليمية اقتصادية في المنطقة والعالم .    

وختاما:ً ومن وجهة نظر شخصية وكمتابع للسياسة المالية للمملكة في العقدين الأخيرة أوؤكد: أنَّ هذه الميزانية تدعو للتفاؤل، وينبغي على المواطنين أن يثقوا في مستهدفات الرؤية وإمكانية تحقيقها؛ حيث لايمكن أن تتحقق الرؤية ومستهدفاتها في حال لم يكن هناك إيمان وقناعة إيجابية في التغيير وإمكانية التنفيذ من جميع المكونات بالشكل الذي ينعكس على سلوكهم الاستهلاكي واستثماراتهم وتصرفاتهم، ومن المهم كذلك أن نضعَ كل ثقتنا بقيادتنا ونحن نرى مايتم القيام به من شفافية ووضوح وتخطيط من قبل القيادة كان من المستحيل تصوره في الماضي؛ لذلك علينا أن نتكاتف بالإيمان بأحقية اقتصادنا وريادته بين اقتصادات المنطقة رغم كل التحديات والصعوبات، وأن نؤمن بقدرة اقتصادنا على أن يكون اقتصاد قائد ومؤثر للمنطقة وللعالم الإسلامي بما يمتلكه من مزايا نسبية حيث لايمكن أن يتحقق النجاح لأي منظومة إذا لم يكن إيمان وقناعة فيها .   

مال السعودية