هل إلقاء قنبلة نووية على غزة سيحل المشكلة؟
الانتقاد الذي وجه لبنيامين نتنياهو على الموافقة على وقف إطلاق النار في المواجهة الأخيرة في قطاع غزة، وبالذات من قبل من يعارضون «مؤيدي السلام»، هو انتقاد مقرف. يبدو أنه باستثناء الدوس على رقبة غزة الدامية، ليس هناك شيء يمكن أن يرضي رغبة الانتقام لدى اليسار المزيف هذا، وطالما أن غزة لم تركع، فمن المحظور الموافقة على وقف إطلاق النار. أولاً، يجب عليهم الاستسلام، وعندها فقط سيتفضل الإسرائيليون بمنح المهزومين والمهانين وقف إطلاق النار من أجل أن يتمكنوا من دفن قتلاهم ومواصلة حياتهم الروتينية في ظل الحصار.
الإسرائيليون المدللون الذين اعتادوا على عمليات «الضربة الخاطفة» على صيغة 1967، يرفضون الموافقة على أقل من ذلك، «ضربة خاطفة» وينتهي كل شيء، وبسعادة يستيقظون لصباح يوم جديد. لقد كانت هناك عدة جولات من القتال كان يبدو فيها أن إسرائيل متفوقة بكل المقاييس ـ الخسائر في الأرواح والمصابين والدمار وعدد من لا يملكون مأوى، ورغم كل ذلك فإن رؤساء الحكومة كانوا دائماً مضطرين إلى القيام بحرب نفسية، في محاولة لإقناع الإسرائيليين المدللين بأنهم هم الذين انتصروا، في حين أن قادة حماس يحتفلون فوق أنقاض البيوت بانتصارهم على العدو الصهيوني.
الآن أيضاً قطاع غزة، وبوقاحة، لم يستسلم، وحسب كل الدلائل هو لا ينوي الاستسلام. إذاً هيا نهمس في أذن نفتالي بينيت الصقوري وفي أذن الصقور الذين يشبهون الحمائم البيضاء: انسوا الانتصار النهائي، القاطع والواضح، لأنه ليس بالإمكان الانتصار على من هو مقموع تماماً، ليس بالإمكان الانتصار على الجمهور الذي بفضل إسرائيل تحول الموت بالنسبة له إلى ملجأ من الواقع الفظيع.
من أجل التخفيف من خيبة الأمل نتساءل: هل تعتقدون أن مصير الاحتلال الإسرائيلي سيكون أفضل من مصير الاحتلال الأمريكي لفيتنام، حيث هرب الأمريكيون من هناك طلباً للنجاة رغم سلاحهم المتطور وطائراتهم الباهرة؟ هل سيكون مصير الاحتلال الإسرائيلي أفضل من مصير الاحتلال الفرنسي في الجزائر، حيث جاء يوم وانسحب فيه الفرنسيون وهم يجرون أذيالهم وكأن ذاك الاحتلال لم يكن؟ ونحن غير مضطرين للذهاب بعيداً: هل مصير الاحتلال الحالي سيكون أفضل من مصير الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، حيث لاحق فيه اللبنانيون الجيش الإسرائيلي حتى خط الحدود تماماً؟
الحقيقة هي أنه كلما تمت إهانة الاحتلال أكثر من قبل الواقعين تحت الاحتلال، فإن هذا يفيد نفسياً الشعب المحتل، كي يعرفوا أن هناك حدوداً للقوة، وكي يهبطوا إلى أرض الواقع. لذلك من المهم التوضيح بأن هزيمة الاحتلال هي ضرورة تاريخية. لماذا؟ لأن معظم الإسرائيليين لم يشهدوا فظائع حرب غزة بالكامل، وخلافاً للغزيين، شباباً ونساء وأولاداً، الذين يشهدونها بلا توقف ولا يستريحون منها حتى للحظة واحدة، منذ استيقاظهم وحتى عودتهم إلى الفراش، هذا إذا بقي فراش. لذلك فإن كل هدنة وكل تسوية ستخلق المواجهة القادمة، حتى رفع الحصار وإنهاء الاحتلال.
في هذه الأثناء تصل كراهية إسرائيل لغزة إلى أبعاد مرضية، تحتاج إلى علاج نفسي عاجل. ما سبب هذا الغضب أساساً؟ إن غزة اليوم هي النتيجة لهذا الظلم الإسرائيلي الذي تسبب به الإسرائيليون للفلسطينيين خلال سنوات، بدءاً من مئات آلاف اللاجئين الذين طردوا من بيوتهم في 1948 وحتى عمليات القصف الكثيفة، وعمليات القتل الجماعية والحصار الذي يعتبر من أطول الحصارات في التاريخ العالمي. وبالتحديد بسبب كل هذه الضربات، فإن طائر الرمال الغزي قام من بين الأنقاض وهو ينفض الرمال عن نفسه وكأنه استيقظ منذ لحظة من نوم هادئ، وسيبدأ كل شيء من جديد. ما الذي لم تحاوله إسرائيل منذ العام 1948 وحتى الآن: عدد لا يحصى من جولات القتال ضد غزة، وعدد لا يحصى من البيوت المهدمة، وعشرات آلاف القتلى ومئات آلاف الجرحى. وكل هذا وكأنه لم يكن.
أمل إسحق رابين في لحظة غضب أن تغرق غزة في البحر. حتى هذه اللحظة البحر يرفض أن يفيض ويخفيها. إذاً ربما يجدر بإسرائيل إلقاء قنبلة نووية، وعندها ستتمكن بضربة خاطفة أن تنهيها.
هآرتس
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews