Date : 23,04,2024, Time : 10:57:34 AM
3245 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الاثنين 17 ربيع الأول 1440هـ - 26 نوفمبر 2018م 12:22 ص

زمن «الهَوشة»: عن مفهوم للاحتجاج في لحظة «السترات الصفراء»

زمن «الهَوشة»: عن مفهوم للاحتجاج في لحظة «السترات الصفراء»
وسام سعادة

نواجه اليوم صعوبة في إيجاد مصطلح قادر على التقاط معنى «الرايوت» بالإنكليزية، أو «ايموت» بالفرنسية، بالشكل الذي يمكن أن يساهم، إيجاباً، في تفكّر الحيويات الاحتجاجية والتصادمية.
فالاحتجاج وحده لا يفي بالغرض، والشغب تثبيت على عنصر سلبي اختزالي، والاضطراب أكثر شمولية من تخصيصه بـ«الرايوت» ليس إلا، والقلقلة بالمفرد لا تؤدي مفعول القلاقل بالجمع.
لا يمرّ شهر واحد دون أن يعترضك هذا الإشكال اللغوي إن حاولت وصف الأحداث والمشاهد المتنقلة في عالم اليوم، بشكل يلتقط الخيط الواصل بين ديناميات احتجاجية وتصادمية تنتمي إلى سياقات وأوضاع جد متباينة.
إلى حد ما، نواجه إشكالاً يقارن بما واجهه المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي في قول مفهوم «الثورة» بالعربية إبان الحملة الفرنسية. فاستخدم وصف الفتنة سواء للإشارة إلى ثورة الفرنسيين على أرضهم، أو إلى الفتن «التي يستنسر فيها البغاث» ضد جيش بونابرت في القاهرة. واستمرّ العناء في المصطلح مع رفاعة الطهطاوي غداة إقامته الباريسية، فاستخدم «الفتنة» في معرض سرده عن ثورة تموز 1830 التي عاصرها، وهذه المرة من دون المحمول السلبي كما في حالة الجبرتي.
الحال مع «الرايوت / الإيموت» عويصة أكثر، لأنّ الحوادث التي توضع في خانتها كثيرة، وكثيفة، ولا تكاد تهمد في مكان حتى تنشب في آخر، مشكّلة المنافس الأساسي لثنائية «الانتخابات والأعمال الإرهابية» في نشرات الأخبار. المنافس الأقرب إلى الحياة.
ربّما كان علينا إعادة تأهيل مفردة عربية محدّدة لملاحقة هذا التسارع، وهذا الانزياح في خارطة الاحتجاج الخشن، من خلال الاستعانة بمرادف للفتن والقلاقل في تاريخ استعماله العربي: «الهَوشة». فنتحدث مثلاً عن «هوشة الضواحي» الباريسية في السابقة، و«هوشة أصحاب السترات الصفراء» في الوقت الحالي، على امتداد فرنسا، مثلما نتحدث عن «هوشة بين المسلمين والهندوس» أو «هوشة بين التاميل والكاناديغاس» في الهند.
معجمياً، تعني «الهوشة» الإزدحام والإختلاط «هوشات السوق»، كما الإضطراب والفتنة «زرع الهوشة بين الناس»، والحال أن إجتماع هذين المعنيين يكسب اللفظ جدارة إصطلاحية، في مقابل «رايوت» و«إيموت».
يظهر ذلك عند قراءة كتاب أساسي لفهم هذه الدينامية «الرايوتية» المتصاعدة عبر العالم، وهو كتاب الأمريكي جوشوا كلوفر «الهوشة (رايوت) ثم الإضراب ثم الهوشة» الصادر عام 2016، المترجم هذا العام بالفرنسية «الهوشة (الإيموت) أولاً» (والذي يوضح مترجمه أن «رايوت» نفسها تتحدر من لفظ فرنسي «ريوت» لم يعد متداولاً إلا في نطاق محلي ضيق غرب البلاد، ليفيد حالياً معنى المشاجرة فحسب).

وما يطرحه كلوفر أنّه، مع تراجع الحركة العمالية الغربية، تتوارى دينامية «الإضراب» لصالح «الهوشة»، وتتبدّل سمة «الهوشة» في نفس الوقت، فهذه كانت قبل القرن التاسع عشر «هوشات من أجل الخبز»، وضد تصدير الحبوب، لكنها ما عادت تنشب في وقتنا الحالي أمام مخازن القمح، إنما أمام مراكز الشرطة ومظاهر الدولة، رداً على غلاظة بوليسية هنا، وتملّص قضائي من ملاحقة تجاوزات البوليس هناك، على غرار «هوشة لوس انجلس» 1992، التي يعتبرها منعطفاً أساسياً. وفيما كان الطور الأول من «الهوشات» مكانه السوق، وبشكل أساسي المرفأ، والثاني، القرن التاسع عشر، مكانه المعمل، فإن «الهوشات» باتت تنحو اكثر فأكثر بإتجاه الشارع.
أما الإضراب فهو تاريخياً إبن «الهوشة» الذي تميّز عنها وصار له نمطه الخاص، بل أنّ النظرة تطورت في القرن التاسع عشر لإبعاد فكرة «الإضراب» أكثر فأكثر عن فكرة «الهوشة».
الصورة التي بناها «الإضرابيّون» عن أنفسهم في العصر الحديث هي أنهم غير انفعاليين، وتراكميين، ومنضبطين، بنقابة أو بحزب، ولا ينزلون إلى مستوى «الهوشة». في الهوشة يجري تكسير زجاج المحلات، ونهب الخبز، وتندلع النيران لتصيب الجميع، أما عندما يضرب عمال الزجاج أنفسهم فإنهم يحاذرون من إيقاع أي لوح زجاج. تكسير الزجاج ليس له أثر عند عمال زجاج «فلينت» 1858، في مقابل تكسيره على أوسع نطاق في هوشة بالحي التجاري لبيرمينغهام عام 1839. من خلال المقارنة بين هذين النموذجين طوّرت الطبقة العاملة الصناعية، وطوّر التقليد الماركسي نظرته إلى المناقضة الواجبة بين «الهوشة» و«الإضراب»، مثلما طوّر الماركسيون نقدهم للحيلة الفوضوية المسماة «الإضراب الشامل»، الذي هو إلى «الهوشة» أقرب. يلفت كلوفر في المقابل إلى أن روزا لوكسمبورغ في كراس «الإضراب الجماهيري، والحزب، والنقابة» 1906 لم يكن هدفها إعادة الاعتبار لعفوية الجماهير، على ما جنحت اليه القراءة المتسرّعة، بل نقد كل نظرة اكتفائية إما «الهوشة» وإما «الإضراب»، باعتبار أنه ليس هناك ما له أولوية بالمجرّد، وإنّما بحسب مجرى الصراع الطبقي.
رغم كراس روزا هذا، وجد القرنان الماضيان صعوبة جمة في الإقرار بـ«الهوشة» كشكل للصراع الطبقي، هي التي كانت أم الإضراب ثم نفر الأخير منها. أطروحة كلوفر أنّ جدلية «هوشة ـ إضراب ـ هوشة» باتت تعني بالنسبة إلى واقع عالمنا اليوم العودة إلى أولوية «الهوشة» على «الإضراب»، لأن «الهوشة هي الصراع الطبقي من موقع المستبعدين عن العمل المأجور».
ربّما كان جوشوا كلوفر «يستسلم» أكثر من اللازم في تقديره مدى امكانية تحلّل رأس المال من «العمل المأجور» بإتجاه أشكال أقل تعاقدية وأكثر هشاشة من العمل، وربّما يكون عطّل جدلية «الهوشات والإضرابات» في بعض فصول كتابه، من خلال تحمّسه فوق اللزوم للهوشات «كبديل»، وادماجها جميعها في تصنيف مشترك وتراكمي. بيد أنّ عمله رياديّ، خاصة عندما يقارب الأزمنة الحديثة من منظار الأمد الطويل: أول ما ظهرت الرأسمالية، كانت الهوشة هي الشكل الأساسي للكفاح، ضد حركة دوران السلع، ثم مع الثورة الصناعية وحتى الستينيات، كتبت الغلبة للإضرابات على الهوشات، وبخاصة بالنسبة للماركسية والحركة العمالية، وفي أيار/مايو 1968 غاب عن التحليل، أنها كانت انتفاضة النموذجين في وقت واحد. كانت أيار/مايو 1968 أوسع إضراب في تاريخ فرنسا، وأكبر هوشة أيضاً لا تختزل في جانبها الطلابي فقط. حصرها في هذا الجانب كان لعزلها عن الإضراب، ما تجسد رمزياً بصدّ الشيوعيين لوفد الطلاب القادمين إلى عمال رونو ـ بيانكور للتضامن معهم. ما يذهب اليه كلوفر، أنه بعد 1968، ستتراجع مركزية الإضرابات لصالح عولمة الهوشات فتصبح هذه دينامية متنامية كالفطر ولا فكاك منها.
يمكن التحفظ على «النعوة» الضمنية للإضرابات عند كلوفر، إلا أنّه في المقابل، إذا كان «البشر يصنعون تاريخهم لكنهم لا يصنعونه اعتباطاً، وبالشروط التي يختارونها بأنفسهم، إنما بشروط ممنوحة مباشرة وموروثة من الماضي» كما كتب ماركس في بداية «الثامن عشر من برومير»، فالأقرب إلى وصف المشهد في عصرنا، أن البشر يصنعون تاريخهم بالهوشات أولاً، أكثر مما يصنعونه بالإضرابات والنقابات والانتخابات، وأكثر مما يصنعونه بالثورات. المشكلة تبدأ عندما تتابع قراءة نفس المقطع لماركس: «ان تقاليد جميع الأجيال الميتة تنوء بحمل ثقيل على أدمغة الأحياء».
فالأجيال الميتة اليوم باتت أجيال «العصر الإضرابي» من تاريخ الرأسمالية. إذا كانت مشكلة جوشوا كلوفر أنّه يقلّل من الأهمية الحاضرة والمستقبلية للإضرابات، فمشكلة العالقين بـ«مركزية الإضراب»، هي أنّهم يدركون جيداً السمة المحافظة لتعلّقهم هذا. تارة تأخذ بهؤلاء السكرة إلى رفض «سياسة الهوية» بحجة الاشتياق إلى «القضايا الاجتماعية»، حتى إذا لاح «الاجتماعي» بالشكل الذي لا يعجب خاطرهم يستذكرون الإضراب المشهدي، اضراب عمال الزجاج الذي لا يكسر فيه زجاج، ويبكون على الزجاج، سواء الذي كُسِرَ في غير وقته، أو الذي في وقته لم يُكسَر.

القدس العربي 




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :

اضف تعليق

مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد