إيران لن تستطيع المقاومة

على الرغم من أن معظم المسؤولين الإيرانيين، ولا سيما من هم في رأس الهرم السياسي، حاولوا استباق العقوبات الاقتصادية الأمريكية، التي بدأت فعلياً على إيران منذ يومين، بالحديث عن قدرة إيران على تجاوز هذه العقوبات، وتلافي آثارها الاقتصادية الكبيرة، إلا أن أحداً لا يستطيع إنكار النتائج السلبية لهذه العقوبات، مهما حاولت طهران المكابرة والتظاهر بمقدرتها على مواجهتها، وتسويق خطابها الإعلامي المعروف، الذي يحاول أسطرة القوة الإيرانية في مواجهة الضغوط الاقتصادية والسياسية، وتسويق هذا الخطاب داخلياً.
فكما هو معروف، فإن هذه العقوبات التي تعد قاسية بنظر الكثير من المحللين الاقتصاديين والخبراء، تشمل مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والصناعية وعلى رأسها قطاع النفط الإيراني،الذي يعتبر عصب الاقتصاد، ومصدر الدخل الأساسي لإيران من العملات الصعبة؛ حيث إيران بأمس الحاجة إليها في هذه الظروف التي تعيشها، فالعقوبات تشمل مشتريات الحكومة الإيرانية من النقد الأمريكي (الدولار)، إضافة إلى تجارة إيران في الذهب والمعادن الثمينة الأخرى، المستخدمة في قطاع الصناعة الإيراني والتحويلات المالية بالريال الإيراني، ناهيك عن القطاعات الأخرى كقطاع السيارات، وأنشطة البنوك الإيرانية، ومشغلي الموانئ الإيرانية والطاقة وقطاعات النقل البحري وبناء السفن، والتحويلات المالية المتعلقة بالنفط الإيراني، والتعاملات المالية لمؤسسات أجنبية مع البنك المركزي الإيراني.
أي أنها حزمة كبيرة من العقوبات، تمس بشكل أساسي معظم مفاصل الاقتصاد الإيراني.
ومع أن الولايات المتحدة أعلنت عن استثناء بعض الدول من تلك العقوبات، إلا أنها حضت في الوقت ذاته على لسان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على تقليل أو إنهاء استيراد النفط الإيراني، في محاولة أمريكية للضغط على النظام القائم في طهران، «من أجل تغيير سلوكه الخطير والمثير لعدم الاستقرار ويعاود الاندماج بالاقتصاد العالمي» على حد تعبير الرئيس الأمريكي، الذي يبدو أنه ماضٍ في عقوباته على طهران حتى النهاية، رغم المواقف البراغماتية للعديد من الدول الكبرى التي عارضت تلك العقوبات، بحجة التمسك بالاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى الموقع في العام 2015، ويبدو ذلك واضحاً في تحذير الرئيس الأمريكي للكيانات التي تنتهك هذه العقوبات من مواجهة «عواقب وخيمة»، وتوعده إيران بمشاكل كبيرة، إذا استأنفت برنامجها النووي المثير للجدل.
وإذا توقفنا عند التفاصيل لفهم مدى الآثار التي قد تتركها العقوبات الأمريكية، وأثرها نلحظ أن هذه العقوبات استهدفت أكثر من سبعمئة فرد وكيان وسفن وطائرات على قائمة العقوبات، بما في ذلك البنوك الكبرى، ومصدري النفط وشركات الشحن.
وفي تصريحات أدلى بها مؤخراً، أكد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، أن أكثر من مئة شركة عالمية كبرى انسحبت من إيران، بسبب العقوبات الأمريكية، وأن صادرات إيران النفطية انخفضت، بنحو مليون برميل يومياً، وهو أمر من شأنه أن يخنق المصدر الرئيسي للدخل في البلاد، حسب الكثير من المحللين الاقتصاديين، ناهيك عن أن قطع جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك»سويفت»، ومقرها في بروكسل، لعلاقاتها بإيران قد يعزل هذا البلد عن النظام المالي العالمي.
ونرى أن هذه العقوبات جاءت في الوقت الذي كانت فيه إيران تعتقد بأنها ستحصل على بعض الراحة من خلال هذا الاتفاق النووي حتى وإن لم تستطع تصنيع السلاح النووي، ولذلك حاولت القيادة الإيرانية الحفاظ على ما اعتبرته مكاسب اقتصادية و عسكرية في الشرق الأوسط، إلا أنها لم تتمكّن من تأسيس أجواء أمان على الرغم من جميع محاولاتها في هذا الصدد.
ورغم محاولات طهران، الاستفادة من التناقضات التي تظهر بين الحين والآخر بين واشنطن والدول الأوروبية، إلا أن أي متتبع لمسارات السياسات الأوروبية، يدرك أن الغرب لن يذهب بعيداً في مسايرة الموقف الإيراني، خاصة في ظل الجدل الذي تثيره المواقف والتحركات الإيرانية في المنطقة، والتي تثير معارضة كبيرة من قبل العديد من القوى الإقليمية في المنطقة.
من كل ما تقدم نلاحظ أن العقوبات الأمريكية الجديدة ضد طهران، لن تؤثر في الاقتصاد الإيراني وحسب، وإنما قد تدفع لتطورات دراماتيكية في الداخل الإيراني، على خلفية المعضلات الاقتصادية الكثيرة التي يعانيها الشارع الإيراني، بسبب التدخلات الإيرانية في الكثير من نزاعات المنطقة، وانعكاس ذلك، على مختلف مناحي الحياة في إيران.
وأخيراً يمكننا القول، إن إيران التي تحاول الآن الإيحاء بمقدرتها وخبرتها في التعامل مع العقوبات الدولية، ترى نفسها وربما أكثر من أي مرحلة أخرى، أمام تحديات جد خطيرة، وأن الخطابات النارية التي تطلق هنا وهناك للاستهلاك الداخلي في إيران، قد لا تجدي نفعاً، ولن تقنع الشارع الإيراني لكي يكون مستعداً لدفع فواتير السياسة الإيرانية، من خلال قوت يومه، خاصة إذا ما علمنا أن أثر العقوبات الجديدة سيمس بكل تأكيد مصالح الشعب الإيراني، وهو أمر قد يقفز بالواقع الإيراني الداخلي نحو الاضطراب السياسي بكل تأكيد.  

الخليج