صرخ صمتها ودماؤها تسيل على رجليه

جي بي سي  نيوز :- رمى السكين أرضا والدماء تملؤه، نظر بحقد وشرّ وغضب إليها، ناداها لكنها لم تستجب لندائه. ممددة هي على أرضيّة غرفة الجلوس، حاملة بيدها اليمنى خاتم زواجها الذهبي الذي كانت قد انتزعته من إصبعها كي تعيده لزوجها الغدّار، غارقة في دمائها، نظرت إليه بقوة وعنفوان وجرأة ثم ابتسمت وكأنها تشكره لأنه حررها أخيرا من إجرامه. صرخ صمتها وتعالى بين جدران المنزل بينما دماؤها تسيل على رجليه. ها هي مرمية في زاوية الغرفة كحمل وديع مذبوح تنتظر أن تأخذها الملائكة إلى برّ الأمان، شاكرة أنها أخيرا استطاعت التخلّص من قسوة قلبه. فركع أرضا يصرخ ويضربها كي تستفيق، يا لسخرية القدر، ضربها حتى الموت ويضربها لتعيش!! لكنها ما لبثت أن أغمضت عينها ورحلت عن أرض العذاب تاركة وراءها ذكريات أليمة وعبرة لنساء أخريات. هو الذي أهداها وردة يوم زفافهما، فقتلتها الوردة بأشواكها.

ها هي قصّة إمرأة من مئة يتعرّضن يوميا للعنف الأسري تحت عنوان الرجولة والشّرف وغيرها من العبارات والحجج غير المنطقية التي يحميها ويرسّخها مجتمعنا الذكوري!

قد يظن البعض أن ضرب المرأة من حقّه وأنه سيّد عليها وقد "يستقوي" البعض الآخرعليها لأنها الحلقة الأضعف جسديًا، لكن هل تساءل هذا الشخص من أعطاه السلطة والإذن للتعدي على إنسانة مهما كانت خطيتها؟ لا بل ألم يسأل نفسه من هو ليقيّم خطيئتها وخطأها؟ من هو ليوجّه أصابع الإتهام نحوها؟ وحتى لو كانت مخطئة من هو ليحاسبها؟ لم آتِ اليوم لأكتب عن المشاكل التي تواجهها المرأة أو عن الأسباب وراء العنف الأسري أو حتى عن غياب الأسباب عندما تكون المرأة "كبش المحرقة" أو "فشة الخلق" ، بل أتيت لأسألك أنت، رجل المجتمع يا من تدعي الرجولة والعنفوان وتختبئ وراء ظل المجتمع الذكوري: هل ترى في ضرب المرأة رجولة؟

هل التعدي بالضرب على أمك، زوجتك، أختك أو إبنتك يدل على الرجولة؟

والدتك التي حملتك 9 أشهر في أحشائها وانتظرتك بفارغ الصبر لتزين حياتها، هي التي أعطتك كامل حنانها وحبّها وسهرت الليالي على راحتك منتظرة أن تكبر، هي التي نشفت دموع لياليها تعبا وحزنا فقط كي تراك تبتسم... ألا يكفي ما ضحّته من أجل سعادتك؟ من أنت لتضرب من ربّتك؟ من أولاك الحقّ لتهين من أعطاك الحياة؟ واجبك ورجوليتك هي عندما تحترمها وتفرحها في أيامها القليلة المتبقية!

زوجتك؟ التي تركت منزل أهلها حيث كانت مدللة كي تكون معك، زوجتك التي اختارتك من بين رجال العالم ووهبت حياتها لإسعادك وبناء عائلة معك، أهكذا تكافيها هي التي بدتك على العالم أجمعين؟ أحبّها وعاملها باحترام، عندها تكون رجلا!

أختك، ومن أحن من الأخت على أخيها، فعندما تتآكلك هموم الحياة تجدها واقفة بقربك لا تفارقك رغم قساوة الصعوبات! الرجولة أن تعطيها من حنانك وأن تحميها بكل ما أتيت من قوة مهما كانت الظروف وأن تقف بالقرب منها لا أن تضربها لأنك تريد أن "تربّيها"، يكفي أن تكون أختك كي تكون "مربّاية",وفق الديار .

أما إبنتك؟ فصدق جبران عندما قال أولادكم ليسوا لكم، أولادكم هم أبناء هذه الحياة... والرجولة؟ أن تدعم ابنتك في جميع قراراتها وأن تكون سندا لها حتى عندما تخطئ، فلا أحد منا معصوم عن الخطأ!! وإبنتك تأتي قبل الغريب وإن اختلفت مع زوجها فعليك أن تشرّع لها أبواب منزلك تماما كما اليوم الذي ولدت فيه!

الرجولة تبدأ بالإحترام والمعاملة الحسنة وتنتهي عند التفاهم والإعتذار، فالعلاقة القوية والمتينة تبنى على المحبّة وليس العنف والتعدي الجسدي، فلتبدأ بتغيير نفسك لمستقبل أجمل ولا تنسى أن المرأة هي أم المجتمع ليس بالولادة (فحسب) بل بالتربية والعمل والعلم والمثابرة... كما أضحت المرأة اليوم تحتل مراكز عليا وبرهنت عن جدارة أنها قادرة على إدارة شركات وبلاد.... وإن كنت من الرجال الداعمين لحقوق المرأة تذكّر بأن للعنف أشكال عديدة غير الشكل الجسدي، كالعنف النفسي، اللغوي والمعنوي، وهنا تأتي قصة أخرى....