مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية غير رسمية محتملة
مع ظهور صديق بنيامين نتنياهو، رجل الأعمال الأميركي رونالد لودير، مرة أخرى، على ساحة الاتصالات المتعلقة بالسياسة في الشرق الأوسط، وما تلا ذلك من زيارة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية الفجائية إلى سلطنة عُمان، ومعه الطاقم الأمني والتنفيذي، لا سيما ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات وحسين الشيخ رئيس هيئة التنسيق مع الجانب الإسرائيلي ومبعوث عباس إلى الجهات الإسرائيلية السياسية، وجبريل رجوب عضو “مركزية” فتح ذو الخلفية الأمنية؛ يمكن استعادة ما خلال الفترة من بين العامين 1996 و1998 عندما لعب لودير دور الوسيط بين نتنياهو والرئيس السوري حافظ الأسد، وكانت الوجهة لدى الأول، هو عقد اجتماع قمة سوري ـ إسرائيلي في مسقط.
ولا نعلم سبب اختيار رونالد لودير عاصمة سلطنة عُمان مكاناً للاجتماع. في تلك الفترة، فقد نتنياهو موقعه لصالح إيهود باراك، فتولى الثاني متابعة جولات لودير المكوكية بطائرة خاصة بين تل أبيب ودمشق عن طريق لارنكا. أغلب الظن أن رجل الأعمال الأميركي اليهودي الذي يتفوق على نتنياهو في تطرفه صهيونيا، كانت له أسبابه في اختيار المكان، لا سيما وأن صديقه رجل الأعمال الأميركي اللبناني جورج نادر المثير للجدال، كان هو بحكم اتصالاته العربية من أشار عليه بمشروع الوساطة، ووعده بالمساعدة على أرضية خطوط له (لنادر) مع دمشق، وجرى إقناع الرئيس الأميركي بيل كلينتون، بأن للرجل علاقة وثيقة مع النظام في سوريا، وأن بمقدور لودير ونادر إدارة عملية تفاوض سرية.
كان جورج نادر قد أسس في عقد التسعينات مجلة “ميدل إيست إنسايت” المهتمة بشؤون الشرق الأوسط، بالشراكة مع الأميركي- الإسرائيلي جوناثان كيسلر، الذي حل في موقع رئيس التحرير التنفيذي للمجلة، وهو من جماعة اللجنة الأميركية للشؤون الإسرائيلية العامة “آيباك” وعمل بعدئذ رئيسا لقسم التطوير والريادة فيها.
سرعان ما أصبحت المجلة منبرا لكل الأطراف الشرق أوسطية، بما فيها إسرائيل. وفي مايو 1996 كان المسار التفاوضي الذي ترعاه الولايات المتحدة بين سوريا وإسرائيل قد توقف عندما تولى نتنياهو السلطة، إذ أصر الرئيس السوري حافظ الأسد على استئناف المفاوضات من عند النقطة التي وصلت إليها، وقد سُميت تلك النقطة “وديعة رابين”، وفيها اتفاق من حيث المبدأ، على انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان.
وفي الحقيقة لم يتزحزح الأسد عن موقفه، وظل لودير يلح في طلب قمة سورية إسرائيلية، خلال جولاته التي أريد لها أن تُوصف بكونها غير رسمية وغير حكومية، وخارج السياق الطبيعي للسياسة. وكاد حافظ الأسد أن يقتنع، أو إنه اقتنع من حيث المبدأ- حسب قول لودير نفسه- بأن العقبة يمكن حلها بلقاء قمة يُعقد سرا في مسقط. غير أن الأسد أدرك خطورة ما يُدبر له، عندما عرف كل شيء عن رونالد لودير ومواقفه وحماسته لحزب “الليكود”، ثم ازداد رفضا للسياق كله عندما اطلع على المقترحات التفصيلية للتسوية وشروطها التي رآها تعني أن دخول إسرائيل إلى قلب سوريا على كل صعيد، هو الثمن الحقيقي لإخلاء قواتها من الجولان.
فشل مشروع لودير في سوريا، لكن الرجل صَعّد من نشاطاته الليكودية وعزز صداقته مع بنيامين نتنياهو، وهذا ما جعله مقربا من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد انتخابه، هو وجورج نادر، الذي خضع للاستجواب من فريق المحقق الخاص روبرت مولر، في موضوع التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية.
الآن، وفي واحدة من غرائب خيارات الرئيس ترامب، أنه انتقى رونالد لودير من دون سواه، لكي يحمل إلى رئيس السلطة الفلسطينية مقترحات ما يسمى بــ”صفقة القرن” وأن يرمي الوعيد في بطن الوعد بأن الصفقة ستلائم الطرف الفلسطيني وتأخذه إلى خارج مأزقه.
ومعلوم أن المبعوث الليكودي، من المقربين للرئيس دونالد ترامب، لأنه ينتمي إلى المناخات نفسها، بل يمثل نموذج الغيور على إسرائيل وعلى يهود العالم أكثر من إسرائيل نفسها. فهو الذي أقام الدنيا على الحكومة البولندية، في شهر مايو الماضي، لأن رئيسها، ماتيوس موراويكي، حاول في تصريح له أن يخفف التأثيم الصهيوني الشامل للألمان والبولنديين في موضوع المحرقة، وقال إن هناك بعض اليهود شاركوا في ارتكاب الهولوكوست، ولم تكن كلها جرت بأيدي الألمان. واضطر رئيس الحكومة البولندي للاعتذار. وهو نفسه، لودير، الذي هجم على الفاتيكان، وعلى شخصيات عديدة من بينها رياضية، إذ هاجم رئيس مسابقة “فورميولا 1″ لأنه أشار إلى دورة الألعاب الأولمبية في ألمانيا في العام 1936 قائلا إن هتلر أدى عملا ناجحا.
ليس من المؤكد، أن لرونالد لودير علاقة مباشرة بزيارة الرئيس الفلسطيني إلى مسقط، لكن هناك مؤشرات على وجود احتمال لاستئناف مفاوضات فيها غير رسمية، على غرار المفاوضات التي سعى لودير إلى إجرائها بين إسرائيل وسوريا خلال عامي 1996 و1998 في مسقط. وقد جاءت الزيارة بعد ظهور لودير مرة أخرى، مكلفا من الرئيس ترامب، ثم إن زيارات عباس لدول الخليج، تكون في العادة بوفد مقلّص، ممزوج بالشكل العائلي، لكن زيارته الأخيرة إلى سلطنة عمان، جاءت مع وفد عمل ذي طابع خاص، ومنزوع منه ممثل العمل السياسي الرسمي، الموصول بالتكليفات في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، أي صائب عريقات. وهذا ما يؤشر إلى احتمالات وجود احتمال العودة إلى المفاوضات، بشكل غير رسمي، وفي مكان أهدأ وأبعد عن الأنظار.
العرب اللندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews