مرحلة عراقية جديدة
أثار اختيار عادل عبد المهدي رئيساً لوزراء العراق، في إطار التسوية التي أسفرت عن تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة في الثاني من أكتوبر الجاري، جدلاً واسعاً حول النتائج المحتملة لهذه التسوية. ويبرز في هذا الجدل خلاف بين اتجاهين على بعض أهم القضايا المتعلقة بمستقبل العراق. يشمل الاتجاه الأول من يتوقعون، أو بالأحرى يتطلعون، إلى تغير ما في سياسة العراق الإقليمية باتجاه تحقيق توازن فيها، ومن ثم تقليص العلاقات مع إيران، خصوصاً في ضوء العقوبات الأميركية الجديدة عليها، وما ترتبه من التزامات.
ويضم الاتجاه الثاني من يعتقدون أن التغلغل الإيراني الذي استمر، وتراكم، منذ عام 2003، أعمق من أن يمكن وضع حد له في وقت قصير، وأن رئيس الوزراء الجديد لن يكون مطلق اليدين في إعادة صوغ سياسة العراق الإقليمية، والداخلية أيضاً، لأن لطهران أذرعاً صارت قوية في البلاد، كما أن التسوية التي جاءت به حدثت بين طرفين أحدهما موالٍ لإيران ويضم أهم أذرعها، والثاني يأخذ مسافة ليست بعيدة كثيراً عنها. ويفيد حاصل هذه التسوية، وفق مَن لا يرون أفقاً لتغير ملموس، أن هامش حرية الحركة المتاح لرئيس الوزراء الجديد سيكون ما بين محدود للغاية، وضئيل.
ولا يختلف من يتوقعون تغيراً ملموساً في سياسة العراق الإقليمية على أن عبد المهدي مقيد بتوازنات دقيقة، لكنهم يرون أن الهامش المتاح له أوسع مما يتصوره الاتجاه الآخر، وأن بإمكانه العمل من أجل زيادة مساحته تدريجياً.
لذلك يبدو أن السؤال المحوري الآن هو عن حدود الهامش الذي يمكن أن يتحرك فيه رئيس الوزراء العراقي الجديد. وتتوقف إجابة هذا السؤال على عوامل موضوعية تتعلق بمعطيات الوضع في العراق وحوله، وأخرى ذاتية ترتبط بتكوين عبد المهدي السياسي وأثره في تحديد خياراته وأولوياته.
على صعيد العوامل الموضوعية، سيكون بإمكان عبد المهدي الاستناد إلى العقوبات الأميركية والعواقب الوخيمة لعدم التزام العراق بها، للعمل على تقليص العلاقات مع إيران تدريجياً، لكن في الحدود التي تسمح بها التوازنات الداخلية الجديدة، وبما لا يؤدي إلى انفجار حكومته. فإذا اختار طريق التوازن في علاقات العراق الإقليمية، يستطيع الاستناد إلى الآثار الضارة لعدم الالتزام بالعقوبات على إيران، خصوصاً في ظل تداعي النظام الاقتصادي العراقي الذي وصل إلى حالة لا تتحمل هذه الآثار. كما أن مواصلة الاعتماد على إيران، والتسامح إزاء تغلغلها القوي في البلاد، قد يضع العراق في خطر يمكن أن يفوق آثار عدم الالتزام بالعقوبات، وهو تحويل البلاد إلى ساحة رئيسية للصراع الإيراني الأميركي المتوقع تصاعده في الفترة القادمة.
موضوعياً، يبدو أن الهامش الذي يستطيع عبد المهدي التحرك فيه، والعمل على توسيعه، من أجل إعادة صوغ العلاقات مع إيران، ليس ضيقاً جداً، لكنه ليس واسعاً أيضاً. فأي تأثير للعامل الذاتي، أي تكوين عبد المهدي وتوجهاته، في هذا السياق؟ يظل الخلاف قائماً أيضاً في الإجابة عن هذا السؤال الذي يمكن تحديده على نحو أكثر دقة ليكون منطوقه: هل يمكن أن يُعد عبد المهدي سياسياً مستقلاً بالمعنى الدقيق؟ الجواب ليس سهلاً بالنسبة لسياسي غير اتجاهه عدة مرات منذ أن كان شاباً يافعاً. مر عبد المهدي بمراحل سياسية فكرية متعددة. بدأ بعثياً في العراق، ثم تبنى الماركسية على طريقة ماوتسي تونج (الماوية) خلال دراسته في فرنسا، وانتقل بعد ذلك إلى تيار الإسلام السياسي الشيعي، وانضم إلى «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية»، وبلغ مراتب قيادية فيه، قبل أن يختار الاستقلال.
استقلال عبد المهدي عن الاتجاهات والحركات والأحزاب السياسية، إذن، حديث جداً. لكنه يبدو جدياً. كثير من السياسيين مروا في منعطفات متعددة، وانتموا لتيارات وأحزاب مختلفة، قبل أن يستعيدوا استقلالهم. لذا يجوز أن نعتبره أقرب إلى الاستقلال. كما أن دراسته الاقتصاد قد تجعله أكثر وعياً بالحاجة إلى الابتعاد مسافة أكثر عن إيران، لكي يفتح أبواباً للدول العربية التي يمكن أن تبث استثماراتها الروح في الاقتصاد العراقي.
فهل يتحرك عبد المهدي في الاتجاه الضروري لإنقاذ العراق ويأخذه إلى مرحلة جديدة؟ ربما، خصوصاً أنه ليس محسوباً على أي طرف الآن، فضلاً عن أن استغناءه يمنحه قوة، وهو الذي لم يسع إلى رئاسة الحكومة، بل سبق أن تنازل عنها عام 2005.
الاتحاد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews