الجزائر: أزمات حزب جبهة القوى الاشتراكية في غياب الزعيم
هو أول حزب سياسي يظهر بعد الاستقلال (1963) وأول حزب معارض للنظام. لم يكتف حزب الأفافاس، كما ينادى في الجزائر، بالمعارضة السياسية فقط، بل زاد على ذلك بالدخول في مواجهة عسكرية ضد حكم بن بلة ـ بومدين، كما كان سائدا خلال هذه الفترة في الكثير من دول العالم الثالث بُعيد الاستقلال، التي كانت تُحل فيه كقاعدة عامة النزاعات السياسية، عن طريق الحسم العسكري. تمرد مسلح ذهب ضحيته مئات الجزائريين من الجانبين المتقاتلين، في وقت لم تخرج فيه بعد منطقة القبائل والجزائر من آثار حرب التحرير المدمرة.
الحزبالذيارتبطبالوجهالتاريخيالمعروفحسينآيتأحمد،المرابطابنالزاوية،الذيبقيعلىرأسهلغاية2012. سنتان قبل اشتداد المرض عليه ووفاته 2015. كان آيت قد غادر الجزائر إلى القاهرة 1953 هروبا من اعتقال السلطات الفرنسية له، لغاية استقلال البلاد، تخللتها مرحلة التوقيف التي قضاها كلها في السجون الفرنسية بعد القرصنة الجوية التي تعرضت لها طائرة قيادة جبهة التحرير (1956/62) الذي كان من بين ركابها، ليستقر بعدها في سويسرا حيث أقام بشكل شبه دائم، بعد هروبه من السجن نتيجة الحكم عليه بالإعدام من قبل نظام بن بلة في 1966.
إقامة خارج البلد (1966/1988) لم تمنعه من البقاء على رأس الحزب وتسييره من بعيد، باستثناء فترات قلية دخل فيها إلى الجزائر بعد الإعلان عن التعددية الحزبية في 1989، أو عندما ترشح لرئاسيات 1999 قبل الانسحاب منها مع مرشحين آخرين ليلة الإعلان عن نتائجها، بعد تأكده أن نتائجها حسمت مسبقا لصالح الرئيس بوتفليقة.عاش حزب آيت أحمد ومناضلوه في كنف السرية مدة طويلة بعد الاستقلال لغاية 1989 ككل العائلات السياسية القليلة التي أصرت على العمل السياسي المستقل في الجزائر، مما يكون قد ترك الكثير من البصمات على الثقافة السياسية للمناضلين والحزب، الذي فُرضت عليه حالة عداء مع المحيط السياسي الرسمي، من سماتها التوجس المفرط من المؤسسة الأمنية الحاكمة والخوف المبالغ فيه من الاختراقات الأمنية التي «بررت» كخلفية سياسية عمليات الإقصاء التي تعرض لها كثير من المناضلين، خلقت جوا مشحونا داخل الحزب، حسب شهادات الكثير من المناضلين المبعدين. ثقافة سياسية ترسخت لدى القيادات الحزبية الكبيرة في السن، تمكنت من تسويقها للمناضلين الشباب الذين لم يعيشوها عمليا بعد الاعتراف بالتعددية الحزبية. ثقافة سياسية تعبر عن نفسها بمناسبة النزاعات التي عاشها الحزب بانتظام منذ تأسيسه، وفي جو الإقصاء الذي تعرضت له الكثير من القيادات التي انشقت عن الحزب في موجات متتالية منذ جيل 1963. في وقت لم ينجح الحزب في التوسع جغرافيا خارج منطقة القبائل، التي ينافسه عليها في السنوات الأخيرة الكثير من «المنشقين» الذين كونوا أحزابا جديدة، كما كان الحال مع جيل قيادات التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية، التي ارادت قتل الأب وهي تعلن العصيان على الزعيم التاريخي. تنافس توسع في السنوات الأخيرة ليشمل أحزاب السلطة، في هذه المنطقة التي عرفت تحولات اجتماعية عميقة. أصبحت بموجبها الخريطة السياسية في منطقة القبائل اكثر تنوعا.
فرص عديدة ضيعتها قيادة الحزب في التوسع جماهيريا، كما حصل في بداية التسعينيات عندما عاد آيت احمد من منفاه الذي تحول مع الوقت إلى منفى اختياري. فقد توفرت للحزب فرصة كبيرة في التوسع لدى الفئات الوسطى الحضرية وطنيا، بعد أن أُغرمت بخطاب الأفافاس المتميز من الأزمة التي انطلقت في الجزائر. زيادة بالطبع على كاريزما الرجل التاريخي الذي عولت عليه الكثير من الفئات الشعبية كمنقذ وهي تعيش بداية حرب أهلية طاحنة. كانت فرصة حقيقية لتوسيع قاعدة الحزب الاجتماعية والخروج من «الغيتو القبائلي»الذي ارتبط به الحزب، رغم الظرف الصعب الذي ميز الوضع الأمني والسياسي وحتى الاقتصادي، في جزائر تعيش بداية انتقال صعبة. فرصة لم تتحقق على أرض الواقع نتيجة تفضيل آيت احمد مغادرة الجزائر مرة أخرى، نتيجة التهديدات التي يكون قد أحسً بها على حياته، بعد اغتيال رئيس مجلس الدولة رفيق دربه الرئيس محمد بوضياف في صيف 1992. آيت أحمد الذي رسّخ نوعا من التسيير عن بعد للحزب، بواسطة «بدعة تنظيمية» يتم بموجبها تنصيب قيادة دورية على رأسه لمدة كل ستة أشهر قابلة للتجديد، اعتمدت على ولاءات شخصية له في الأساس. لم تساعد الحزب على الاستقرار وبناء مؤسساته وزادت من حدة الصراعات السياسية والشخصية بين قيادات الصف الثاني، التي تنافست في التقرب من الزعيم وتقديم الولاء له كشخص، باعتباره أهم مؤسسة داخل الحزب.
قيادات الصف الثاني التي لم تتوقف صراعتها، كما يبدو، وكما يظهر من خلال تداعيات الأزمة الأخيرة التي يتخبط فيها الأفافاس، بعد إقصاء البرلمانية سليمة غزالي، المنتخبة على رأس قائمة الحزب في ولاية العاصمة .السيدة التي عملت مستشارة سياسية للزعيم لغاية وفاته، وإحدى الوجوه النسوية التي حاول آيت احمد الانفتاح من خلالها على النخب الجديدة من خارج أبناء منطقة القبائل، التي أفرزتها الحياة السياسية الشحيحة أصلا في انتاج النخب، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعنصر النسوي. المصير نفسه تعرض له رئيس المجموعة البرلمانية السابق ونائب ولاية بجاية المهمة كقاعدة شعبية، الذي أُبعد بدوره لمدة اربعة أشهر عن الحزب.
أزمة عاش مثلها حزب الأفافاس في السابق أكثر من مرة، من دون أن تخرج للعلن ويعرف بها الناس والأهم من ذلك لم تكن ذات نتائج وخيمة على استمرارية الحزب. بعد أن كان يتدخل كل مرة الزعيم في فرض رأيه، ليغادر بعدها المغضوب عنهم الحزب أو يتوارون عن الأنظار. فكيف سيكون الحال بعد غياب الزعيم المؤسس؟ الكثير من الشواهد والملاحظات تقول إن أزمات الحزب ستخرج إلى العلن أكثر فأكثر، وأنها ستزداد حدة بين قيادات الصف الثاني، التي لا تملك كاريزما وشرعية الزعيم، مما لا يؤهلها للسيطرة على مقاليد الأمر داخله.
في وقت لم يعد خطاب الحزب واضحا لأغلبية المواطنين وحتى المناضلين، الذين فقدوا بوصلتهم بعد غياب آيت احمد. فما هو السيناريو الأكثر احتمالا الذي ينتظر حزب آيت احمد في غياب آيت احمد؟
القدس العربي
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews