سؤال مهم حول حماس؟
مشكلة غزة تتجاوز بكثير حدود إسرائيل ومصر. فمشكلة غزة تعكس تطورات دولية ليس لإسرائيل سوى تأثير محدود عليها، أمزجة في عواصم العالم، وتجربة متراكمة للاعبين في الساحة العالمية. لقد بدأت مشكلة غزة منذ زمن بعيد، ولكن جذور الصعوبة الحالية لمعالجتها يمكن أن نبحث عنها في العقد الماضي، في أفغانستان وفي العراق. هذا هو العقد الذي حسم ـ لزمن ما على الأقل ـ الجدال على الضرر والمنفعة فيما درج على تسميته «نيشت بلدنغ» ـ بناء الأمم.
غزة بحاجة إلى إعمار. كي يكون هناك أمل في أن تصبح ـ ذات مرة ـ جارًا محتملاً، عليها أن توفر شروط حياة معقولة لسكانها، تحتاج إلى حكم مستقر قادر على أن يوفر الأمن والنظام. غزة غير قادرة على أن تخرج من داخل نفسها إجراءات الإعمار. فسكانها ضعفاء ويخضعون لحكم طغيان. للحكم نفسه ـ قيادة حماس ـ هناك مصلحة في الحفاظ على أجواء الاضطراب، ومصلحة قليلة في رفاه السكان. وجهتها إلى مواضيع هامة أكثر في نظرها. ومرشحون محتملون في نظر أنفسهم ليحلوا محل حماس ـ مثل أبو مازن ورفاقه ـ غير مستعدين لأن يدفعوا الثمن اللازم لحرب داخلية ضروس ومضرجة بالدماء، الانتصار فيها بعيد عن أن يكون مضمونًا.
على أي حال، فإن المرشحين الوحيدين لإنقاذ غزة من وضعها هم لاعبون خارجيون. غير أن اللاعبين الخارجيين تعلموا درسًا هامًا في العقد الماضي: بناء الأمم أمر معقد، وباهظ الثمن، مضرج بالدماء، طويل الأمد، وفي أحيان قريبة ـ وربما بشكل عام ـ يفشل. العراق هدأ منذ أيام الحرب القاسية لمنتصف العقد الماضي، ولكنه لم يصبح جنة عدن غربية مثلما أمل في مهندسو الحرب إياها. أفغانستان لا تزال ثقبًا نائيًا وغير قابل للسيطرة. سكبت المليارات في هذه الآبار العميقة، وامتدت صفوف القبور، واشتعلت الجدالات العامة ونبش الجيران، وكلٌّ لمصلحة نفسه، أما الأمم فلم تبنَ. من اعتقد ـ وكان هناك من اعتقد ـ بأنه يمكن أن يجرى في الشرق الأوسط ما أجري بعد الحرب العالمية الثانية في اليابان وفي ألمانيا، فهو ـ بلا شك ـ أخطأ. لا يمكن.
لقد تعلمت إسرائيل هذا الدرس قبل ذلك، حين حاولت هندسة لبنان ليتلاءم مع أغراضها في الثمانينيات، وعندما حاولت هندسة قيادة فلسطينية لأغراضها في التسعينيات. هي الأخرى فشلت. لبنان لم يصبح دولة مزدهرة وجارًا مريحًا في أعقاب حرب لبنان الأولى. السلطة الفلسطينية لم تجلب النجاة للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني في التسعينيات. يتبين أن هناك أمورا على الأمم أن تفعلها بنفسها. إلى أن يفعل اللبنانيون ما يجب ـ وليس هناك أي مؤشر على أن هذا سيحصل، لا غدًا ولا بعد غد ـ فإن دولتهم ستكون فسيفساء قبائل متخاصمة تعيش في مواجهة.
وإلى أن يتخذ الفلسطينيون وينفذوا قرارًا بتوجيه مقدراتهم إلى هدف آخر ليس للحرب ضد إسرائيل، بل لبناء مؤسسات وحياة عادية للفلسطينيين ـ فإن الأماكن التي سيعيشون فيها ستبقى تدور بين البؤس الكبير والبؤس المتوسط.
ليس هناك من يأخذ المسؤولية عن غزة، لأن العالم تعلم درس المسؤولية.
وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، كولين باول، عبر عن هذا جيدًا عندما استخدم تعبير «كسرتَ ـ انتهى» في سياق العراق. من سيكسر حكم حماس سيتعين عليه أن يوفر جوابًا عن سؤال ما سيأتي محلها. من يعتقد أن من سيأتي محلها هي السلطة الفلسطينية، سيتعين عليه أن يشرح فيمَ ستكون مختلفة هذه المرة عن المرة السابقة التي حصلت فيها السلطة على الفرصة للحكم في غزة. من يعتقد أن على إسرائيل أن تأخذ مسؤولية إعمار غزة سيتعين عليه أن يشرح لماذا ستنجح إسرائيل حيثما فشلت هي نفسها في الماضي البعيد، وحيثما فشلت أمريكا العظيمة والقوية في الماضي القريب.
إعمار غزة فكرة جميلة، إنسانية جدًا، باعثة على العطف جدًا. سيكون خيرًا لإسرائيل إذا ما عمرت غزة. سيكون خيرًا للغزيين البائسين إذا عمرت غزة. يتبقى أن نستوضح أمرًا واحدًا فقط: من مستعد لأن يأخذ المسؤولية عن غزة؟ من مستعد لأن يعود إلى الاستراتيجية الفاشلة لبناء الأمم؟ أمريكا؟ لا أمل. مصر؟ حكيمة جدًا. باقي العالم؟ بالتأكيد ـ هو سيأتي فورًا بعد أن ينتهي من إعمار أفغانستان. إذن، قليلاً من الصبر.
معاريف
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews