الحرب في النظريات العسكرية الأمريكية
لماذا يعيد بعض المفكرين الأمريكيين من وقت لآخر، مناقشة تجربة غزو العراق عام 2003، وهم يتساءلون، هل جلبت هذه الحرب للولايات المتحدة المكاسب التي توقعتها، أم أنها على العكس من ذلك أنزلت عليها الكوارث؟
إن النظريات العسكرية التي ظلت عشرات السنين تؤثر في خطط «البنتاجون» للدخول في حرب كانت تتضمن تحديداً للمهمة الموكلة للقوات المهاجمة أولاً بتحديد الهدف الذي توجه إليه ضرباتها، وثانياً بمعرفة كاملة بجميع أبعاد الخصم التي توضح طبيعة الظروف المحيطة به داخلياً، وخارجياً، ونقاط ضعفه، ومواطن قوته، والطبيعة التاريخية لمجتمعه بكافة أطيافه، وبناء عليه تكون هناك دقة في قياس النتائج المتوقعة للحرب، أو على الأقل المأمولة.
فهل حدث ذلك عند اتخاذ قرار الحرب على العراق؟
إن الرئيس جورج بوش كان أعلن بالنص أنه لا يوجد شك في امتلاك العراق أسلحة دمار شامل. ولحق به وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، معلقاً أن الغزو لن يتكلف الكثير مالياً، وأنه سيستغرق خمسة أيام، أو خمسة أسابيع على أكثر تقدير، ثم ثبت يقيناً خطأ هذه التقديرات التي بني عليها قرار الحرب، وبُعدها تماماًعن الحقيقة، إما بسبب عدم معرفة متخذي القرار بها، وإما نتيجة رغبة متسلطة لغزو العراق، كمقدمة لزعزعة استقرار المنطقة بكاملها، وهو ما ثبت من الوثائق الرسمية فيما بعد.
أما عن التوقع بشأن التكلفة، فقد قدرت المؤسسات الاقتصادية الأمريكية ما تكبدته الولايات المتحدة في هذه الحرب بنحو ثلاثة تريليونات دولار، ومقتل 2400 جندي أمريكي، بخلاف مقتل نصف مليون عراقي.
أما عن التداعيات التي ترتبت على الغزو التي تناقضت مع قول بوش عن أن العراق سيكون مثلاً يحتذى لبقية دول المنطقة من حيث التحرر، والاستقرار، والديمقراطية، فإن العراق تعرض للتفكك، والدفع به إلى أتون صراعات طائفية، وانتشار الجماعات الإرهابية، وصولاً إلى ظهور تنظيم «داعش».
في الوقت نفسه كانت العسكرية الأمريكية تراعي العمل في إطار ما سمي باستراتيجية الخروج من الموقف القتالي Exit Strateg وإلا فلا يجب عليها خوض هذه الحرب. ولذلك فإن النتائج التي أفرزها قرار قائم على أكاذيب، وليس على حقائق، لم تتح للولايات المتحدة مخرجاً من المستنقع العراقي - حسب تعبير عسكريين أمريكيين. كما وجدت نفسها أمام رأي عام يرفض إعادة توريط أبنائه في حروب يسقطون فيها ضحايا، فضلاً عن التكلفة المالية للحرب، وكذلك أمام مواجهة تمدد الإرهاب، وبعد أن اتسعت طموحات تنظيم «داعش» فلم تعد تقتصر على الحدود الإقليمية في الشرق الأوسط، بل راحت تنشر عملياتها الإرهابية في دول الغرب.
إن إعادة مفكرين أمريكيين دراسة تجربة غزو العراق، كانت مدفوعة في جانب منها بالتوترات العاصفة التي خيمت على العلاقة بين أمريكا وكوريا الشمالية، والتي وصلت إلى حد التهديد بحرب مدمرة، وهي فترة التصعيد العسكري والنفسي التي توقفت أخطارها، ولو مؤقتاً، بلقاء ترامب وكيم جونج أون في سنغافورة.
وهنا عاد التساؤل عما إذا كان لدى «البنتاجون» تصور واضح ومدروس لهدف الحرب، والتوقع اليقيني بالنتائج المرجوة، أم أن المسألة يمكن أن تتخذ لها مساراً، يقترب مما جرى في العراق، من اتخاذ قرار لا يعتمد على حقائق، وعدم تيقن من التوقعات، لو أن الولايات المتحدة تورطت في مثل هذه الحرب.
الخليج
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews