جريمة في سياق «إسرائيلي»
التحقت عائشة محمد الرابي بقافلة الشهداء الفلسطينيين في الأرض المحتلة، بعد أن لقيت حتفها بطريقة فظيعة، عندما انهال عليها مستوطنون قرب حاجز زعترة جنوبي نابلس رشقاً بالحجارة، قبل أن تلفظ أنفاسها في المستشفى متأثرة بجراحها البليغة، وتترك ست بنات وولدين من أطفالها في مهب اليتم، بينما تغاضت سلطات الاحتلال عن الجريمة وادعت «فتح تحقيق».
استشهاد عائشة الرابي جاء جراء حملة مسعورة يشنها المستوطنون في الضفة الغربية لدفع السكان الأصليين إلى ترك مناطقهم، وبدأت العمليات باستهداف المزارعين واقتلاع أشجار الزيتون، ويتم ذلك بتواطؤ تام من جيش الاحتلال الذي يبادر بإغلاق الطرق وحصار المدن وإقامة المناطق العسكرية بما يخدم خطط الاستيطان التي لا تنتهي. ومما يلاحظ أن هذه الحملة تتصاعد يوماً بعد آخر، من دون أن تجد ما تستحق من مواقف دولية مستنكرة لهذا الإجرام المنظم، بينما لقيت عملية طعن استهدفت دورية للاحتلال قرب نابلس سيلاً من ردود الفعل الدولية المنددة، متجاهلة كل الانتهاكات التي تنفذها قوات الاحتلال دون رادع.
كل ما يجري في الضفة الغربية ممارسة احتلالية بشعة، وكل رد فعل عليها هو مقاومة مشروعة طالما تستهدف جنود الاحتلال والمستوطنين، والمرجح أن الضفة الغربية ذاهبة إلى انفجار كبير تمهد له عمليات المقاومة المتصاعدة وتذكيه الجرائم «الإسرائيلية». كما يتفاقم الغضب ليشمل لاحقاً كل الأراضي الفلسطينية، ففي غزة هناك شهداء يسقطون كل يوم جمعة، إضافة إلى مئات المصابين في «مسيرات العودة الكبرى». وحتى في الأراضي المحتلة عام 1948 هناك حالة من الاحتقان، تجلت في الإضراب العام الأخير احتجاجاً على قانون «القومية» العنصري، وعندما يتم تجميع كل هذه العوامل، ستكون النتيجة أن الصبر الفلسطيني لم يعد قادراً على تحمل هذا الواقع الظالم، كما لم يعد بيد القوى السياسية أي بدائل يمكن تفعيلها للجم «إسرائيل» وسياستها المدمرة.
وسط التوتر الذي يلف الأراضي الفلسطينية، صادقت حكومة الاحتلال على خطة لبناء إحدى وثلاثين وحدة استيطانية جديدة في البلدة القديمة من مدينة الخليل، وبالتوازي هدد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو غزة بشن ضربات قوية جداً، بما يعني ممارسة مزيد من القتل والإرهاب واغتصاب الأراضي، فالضفة الغربية لم تعد فلسطينية في الواقع، بعدما قطعت أوصالها البؤر الاستيطانية والحواجز العسكرية، ومازال العمل يجري على فصل شمال الضفة عن جنوبها بالاستيلاء على قرية «الخان الأحمر» وتشريد أهلها، تمهيداً للتضييق على مختلف المدن والقرى الأخرى، حتى لا يبقى للفلسطينيين مجال جغرافي يمكن أن يستوعب دولتهم المنتظرة، إذا كان لهم الحظ في دولة.
وبالعودة إلى حادثة الشهيدة عائشة، فهي جريمة إرهابية من أبشع ما يرتكبه البشر وتنسجم مع السياق «الإسرائيلي»، ودلالاتها تعني أن الفلسطينيين لم تعد لهم أي حرمة لدى «إسرائيل»، وقتل تلك السيدة الفاضلة رمياً بالحجارة، يذهب في رمزيته إلى قتل الحلم الفلسطيني وكل ما بني عليه من «سلام» ودولة يمكن أن تأتي عبر «حل الدولتين»، والقادم أسوأ.
الخليج
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews