في أعقاب القتل في برقان
قبل نحو أسبوع من العملية الإجرامية في المنطقة الصناعية برقان، جرى في المدينة الفلسطينية الجديدة روابي مهرجان موسيقي ضخم شارك فيه عشرات آلاف الشباب والشابات الفلسطينيين.
لم تتجول هناك أي امرأة مع برقع، ولم يطلق أحد النار في الهواء. مهرجان آخر بروح غربية من النوع الذي نراه في أشهر الصيف في حديقة اليركون. إن ما أزعج القيادة الفلسطينية هو حقيقة أن المهرجان جرى يوم السبت، بعد يوم من الصدامات الدموية على حدود غزة التي قتل خلالها سبعة شبان وأصيب 500. ولكن هذا لم يزعج عشرات آلاف الشباب الذين تدفقوا إلى روابي من كل أرجاء الضفة للاحتفاء بالحياة، تمامًا مثلما كانت صراعات القوى في القيادة الفلسطينية قبيل انعقاد المجلس المركزي لـ م.ت.ف في نهاية الشهر تعنيهم كما تعنيهم قشرة الثوم.
لا شيء في ما يسمى بـ«أجواء العنف في الضفة» يتغير جوهريًا في الأيام ما قبل القتل في برقان ولا في الأيام التي بعده، فالأحاديث عن شارع محرض الآن أكثر من أي وقت مضى ـ فقد كانت تلك العملية في برقان أحد أعراضه كما يُزعم ـ هي تخمين عاقل آخر من الجيش عن المزاج العام في الجمهور الفلسطيني. وهذه هي المشكلة. فالجمهور في إسرائيل يتعرف على ما يجري في الشارع الفلسطيني من زاوية النظر المحدودة لجهاز الأمن. فالحديث يدور عن قشة رفيعة جدًا، تعنى أساسًا بمواجهة التهديدات. وبالتالي، فلا غرو في أنه حتى بعد تلك العملية في برقان كان الجمهور في البلاد قد قصف بوابل من الرسائل الثابتة لدى جهاز الأمن: ثمة ارتفاع في التوتر في المناطق، قوات الأمن تستعد لعمليات التقليد.
«عمليات التقليد» هي مفهوم تبناه الجيش من مجال علم النفس، كي يدخل منطقًا ما في ظاهرة «منفذي العمليات الأفراد» الذين يطلون من مكان ما ويكشفون الجهاز بعريه. ولكن التقليد هو سبب واحد، وليس المركزي بينها، لأن يقوم شخص ما لديه مشكلة شخصية ـ نفسية فيمتشق سلاحًا ويخرج في حملة قتل بادعاء «مقاتل حرية». من بين 800 قضية أمنية من أنواع مختلفة، حلل الجيش والمخابرات هذه السنة لغزها في الضفة، فإن 8 ـ 9 في المئة لم تمنع؛ فبعض هؤلاء تسللوا الجدار ووسائل الحراسة وقاموا بالقتل.
الولايات المتحدة تعاني هي الأخرى بتواتر متصاعد من ظاهرة «منفذ العملية الفرد»: ذاك الشاب الذي قرر أن يدخل إلى مدرسة، مكان عمل أو ناد، فيقتل الناس. في الولايات المتحدة يعمل القاتل باسم الرب، باسم العنصرية، باسم الانتقام من النظام وما شابه. أما عندنا، فهو يجتاز طريق النبل الوطني.
هذه الطقوس تجر في أعقابها أيضا طقوسا دائمة مثل البث الحي والمباشر من مكان الحدث، وعناوين رئيسة ضخمة، وجنازات جماهيرية، ومسيرات للسياسيين، وتوصيات من الخبراء لما ينبغي عمله في المستقبل. وعندها، وبعد بضعة أيام، يعود الناس إلى الحياة العادية، وعملية القتل التالية تمحو ذاكرة القاتل السابق.
في إسرائيل وفي الولايات المتحدة على حد سواء يعرف الناس أنه يمكن تقليص كمية نوبات الجنون هذه، ولكن لا أحد يفعل شيئًا كي يقلص الظاهرة. في الولايات المتحدة هذه قصة سياسية داخلية، موضع خلاف، حول وفرة السلاح الناري. فإذا فرضت قيود متشددة على شراء السلاح، وحراسة معقولة على المنشآت والمؤسسات، حينئذ يعقل الافتراض بأن عدد القتلة الأفراد سيقل. يدور الحديث عندنا أيضًا عن قصة سياسية موضع خلاف. فإذا نشأت أجواء حوار مع الفلسطينيين يمكن الافتراض بأن كمية منفذي العمليات الأفراد ستنخفض. صحيح أن منظمات الإرهاب التي لن تكون راضية ستواصل إنتاج العمليات، ولكن ظاهرة المنفذ الذي لا ينضم تحت أي مظلة تنظيمية ستتقلص.
هكذا على الأقل حصل في الماضي. والادعاء بأن العقاب القائم ليس رادعًا بما فيه الكفاية هو ديماغوجيا، وذلك لأن القانون والمصلحة الأمنية لا يسمحان بعمل أكثر بكثير مما يتم اليوم.
في مجال الحراسة أيضًا عندنا الطقس الثابت إياه: يشكلون لجانًا، ويتخذون قرارات، ولكن في معظم الحالات فإن التنفيذ إما يكون جزئيًا أو عدميًا. بعد فضيحة البوابات الإلكترونية في الحرم أصدرت الشرطة عطاءات لأفضل الشركات في مجال الحراسة، وتحمست الشرطة للخطط، ولكن عندما رأت كم سيكلف هذا تراجعت. فمن أجل حراسة المنطقة الصناعية برقان وكل مصنع على حدة، فإن الحكومة وأرباب العمل على حد سواء سيتعين عليهم أن يستثمروا مبالغ طائلة. هذا لن يحصل. هذا ثمن اعتيادنا على الجمود مع الفلسطينيين، الذي له أنماط سلوك ثابتة: انفجارات شعبية، وهدوء، ومنفذ عملية فرد، وضحايا، وحداد وطني، وتهديدات، وعقاب، ونسيان، وهدوء، وهكذا دواليك.
يديعوت
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews