فرصة أميركا في العراق
الحكومة الجديدة في بغداد أثارت ردي فعل رئيسين في واشنطن هما: الأمل والخوف. فزميلتي كاتبة العمود في خدمة «بلومبيرج» الإخبارية «ميجان أوسوليفان» تجد في اختيار الرئيس العراقي الجديد برهم صالح ورئيس الوزراء المكلف عادل عبدالمهدي أمراً مشجعاً، وذلك على اعتبار أن كلا الرجلين تربطهما علاقة طويلة مع الحكومة الأميركية، ولعبا دورين مهمين في بناء عراق جديد من رماد حكم صدام حسين المستبد.
وبالمقابل، يبدو السيناتور الأميركي «ماركو روبيو» (الجمهوري عن ولاية فلوريدا) أكثر تشاؤماً، حيث اعتبر في معرض تعليقه على الحكومة العراقية الجديدة، أن إيران هي «الفائز الواضح»، وقال في تغريدة على تويتر، إن قائد فيلق القدس قاسم سليماني هو من رعى الاتفاق بخصوص الحكومة الجديدة،
غير أن المسؤولين الأميركيين والعراقيين الذين تحدثتُ معهم أخبروني بأن الإيرانيين لم يحصلوا على كل ما كانوا يريدون، ولكن كذلك الحال بالنسبة للأميركيين. وبهذا، فإن صالح وعبدالمهدي يمثلان نوعاً من التوافقات. ذلك أن الإيرانيين دعموا ائتلاف الأحزاب الدينية الشيعية الممثلة برئيس الوزراء السابق نوري المالكي وزعماء ميليشيات مثل هادي العامري. كما أيدت إيران مرشحاً كردياً آخر للرئاسة يحظى بتأييد حزب كردي منافس.
وبالمقابل، أيد المبعوث الخاص الأميركي «برِت ماكغرك» قائمة المرشحين المنتمين إلى رئيس الوزراء حيدر العبادي. وكان «ماكغرك» لعب دوراً مهماً في دفع البرلمان العراقي إلى دعم العبادي على المالكي في 2014، والذي كان شرطاً رئيساً مقابل تدخل عسكري أميركي أكبر في القتال ضد تنظيم «داعش».
وفي نهاية المطاف، كان شخص عراقي صاحبَ النفوذ الأكبر في المفاوضات: ذلك أن آية الله العظمى علي السيستاني، زعيم الحوزة العلمية الشيعية في النجف والبالغ 88 عاماً، هو الذي عبّد الطريق لاختيار عبد المهدي رئيساً للوزراء عندما أصدر بياناً يشدد على أهمية أن تتضمن الحكومة المقبلة «وجوها جديدة»، وهو ما كان يعني استبعاد المالكي والعبادي.
والواقع أنه من الممكن تفهم موقف السيستاني، ذلك أن الحزب الذي فاز بأكبر كتلة في البرلمان في مايو الماضي كان ينتمي إلى رجل الدين المتمرد مقتدى الصدر، زعيم التمرد الشيعي ضد القوات الأميركية في العراق في 2004 و2005 الذي صعد إلى الواجهة كمنتقد شرس للنفوذ الإيراني في العراق خلال السنوات الأخيرة. وقد كانت كتلته التي تضم شيوعيين وآخرين من غير الشيعة، الأكثر انتقاداً للفساد الذي تفشى في المشهد السياسي في بغداد.
ولكن الاضطرابات والرغبة في التغيير ازدادت حدة منذ الربيع، حيث قام محتجون بإحراق مبان حكومية، والقنصلية الإيرانية الشهر الماضي في البصرة، التي تُعد ثالث أكبر مدينة عراقية وقطباً رئيساً لتصدير النفط. وطالبوا بمزيد من الوظائف، وشبكة كهربائية فعالة، ونهاية للفساد المتفشي. والشهر الماضي، اغتيلت الناشطة الحقوقية سعاد العلي التي كانت من بين منظمي الاحتجاجات، برصاصة في الشارع.
مقتل العلي تزامن أيضا ًمع تجدد التهديدات من ميليشيات مدعومة من إيران ضد الولايات المتحدة. وقد أخبرني مسؤولون أميركيون بأن ثمة احتمالاً متزايداً لإقدام تلك الميليشيات على اختطاف أميركيين في العراق. وهذا أحد العوامل التي دفعت الولايات المتحدة إلى تعليق عملياتها في قنصليتها بالبصرة. أما العامل الآخر، فهو الادعاءات الأميركية بأن تلك الميليشيات أطلقت قذائف على القنصلية الشهر الماضي.
والواقع أن العداء بين الولايات المتحدة والميليشيات الشيعية ليس شيئاً جديداً. وإحدى تلك المليشيات - «عصائب الحق» - هي التي كانت مسؤولة عن القتل الوحشي لجنود أميركيين بالقرب من كربلاء في 2007. غير أنه مؤخراً كان ثمة وقف هش لإطلاق النار بين القوات الأميركية والميليشيات خلال القتال ضد «داعش».
ما علاقة كل هذا مع الحكومة الجديدة في العراق؟ بين الانتخابات التي جرت في مايو الماضي والاحتجاجات الأخيرة في البصرة، يؤكد العراقيون أنهم لا يريدون أن يكونوا دولة تابعة لإيران. وهو ما يتيح فرصة في الحقيقة. فالحكومة العراقية الجديدة مطالَبة بأن تُظهر استقلالية. وبقليل من المهارة والحظ، تستطيع الولايات المتحدة منح عبد المهدي الدعم الذي يحتاجه للتصدي لإيران ومعالجة البؤس الاقتصادي في أماكن مثل البصرة.
غير أنه للقيام بذلك، ينبغي على الولايات المتحدة أن تؤشّر إلى التزامها تجاه المدن العراقية التي تواجه تهديداً من الميليشيات. وفي هذا السياق، أخبرتني «باربارا ليف»، التي عملت كدبلوماسية أميركية رفيعة في البصرة في 2010 و2011، بأنها عندما كانت تعمل هناك، كانت القنصلية تتعرض للقصف مرتين إلى ثلاث مرات أسبوعياً. ومن خلال تعليقها لعملياتها في البصرة، تقول «ليف»، تبعث الولايات المتحدة برسالة خاطئة مفادها «ليس إلى الحكومة العراقية فحسب ولكن أيضاً إلى الشعب العراقي».
وهي محقة، ثم إن هناك متلقياً آخر لهذه الرسالة: إنه سليماني ووكلاؤه الكثيرون في العراق. فلا شك أنه في حاجة إلى أن يدرك أن بعض التهديدات والقذائف الطائشة لا يمكنها أن تُخرج الولايات المتحدة من مدينة ضاق سكانها ذرعاً باللصوص والإرهابيين الذين يدعمهم.
الاتحاد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews