تداعيات تسليم إس 300 للأسد على العلاقة الروسية الاسرائيلية
بعد أيام أو أسابيع أو شهور ، سيلتقي بوتين ونتنياهو مجددا ، رغم ما قيل عن تدهور العلاقات بين الطرفين جراء اسقاط طائرة التجسس الروسية ومقتل 15 عسكريا كانوا على متنها .
لقاء الرجلين ليس تحليلا ولا تكهنات ، بل هو معلومة ساقتها الإستخبارات الإسرائيلية عبر مواقعها المعروفة وسربت بأن بوتين وافق على طلب نتنياهو لقاءه ، ولكنه فضل الإنتظار قليلا إلى حين انتهاء عاصفة الطائرة .
ويقول الاسرائيليون : بأن من شاهد لقاء ترامب ونتنياهو الأخير في نيويورك ، يدرك بأن أعصاب الرجلين كانت باردة رغم السخونة الروسية ، وأنهما اتفقا قبل المؤتمر الصحفي بأن لا يعلقا على اسقاط الطائرة ، ولا على " نية " بوتين تسليم الأسد صواريخ أس 300 ، انتظارا للقاء بوتين - نتنياهو المرتقب .
من نافلة القول : أن العلاقات الروسية الاسرائيلية تستحق أكثر من مقال وأكثر من قراءة ( هكذا فعلنا في المقال السابق ) فكلا الطرفين يحملان مفاتيح الحل أو استمرار الحرب في سوريا ، أو حتى تفجير المنطقة، وأيضا ، فإننا نتحدث عن بلدين تربطهما علاقات تاريخية ومصالح مشتركة علنية وسرية ، ويعيش في اسرائيل مئات آلاف المواطنين الروس الحاملين للجنسية الأسرائيلية ، وكل ما يمكن انتظاره في جديد هذه العلاقة هو إعادة صياغة التنسيق العسكري بين الجانبين لدرء خطر التصادم في الأجواء مرة أخرى .
ولكن : هل سلمت موسكو صواريخ إس 300 للأسد ؟ .
لافروف أعلن بأن التسليم بدأ فعلا ، مع أن وجهة نظر الأستراتيجيين الاسرائيليين تقول بأن هذا كان مستبعدا ، وبنوا عليه تفسير امتناع ترامب ونتنياهو عن الحديث عن هذه الصواريخ الى حين اتضاح الصورة ، مكتفين بقول ترامب إنه يؤيد اسرائيل بنسبة 100 % ، وهي رسالة أمريكية ذكية للروس بينت التطورات الأخيرة ، وخاصة تصريحات لافروف أنها لم تصل ، مما اغضب نتنياهو وجعله ينتقد بقوة هذه الخطوة عبر الإعلام الأمريكي ، لأن القضية ليست بنوع الصواريخ ، فهذه بالإمكان التعامل معها تكنولوجيا ، وهو ما أعلنه خبراء أمنيون اسرائيليون مؤخرا ، ولكن القضية هي ما يمكن أن يحدث إذا قامت اسرائيل بقصف هذه المنظومة ، وانعكاس ذلك على العلاقات مع موسكو ، وعلى سمعة الروس الذين لن يكون بمقدورهم خوض حرب مع اسرائيل ، لأن ذلك يعني ببساطة حربا مع الولايات المتحدة ، وهو أمر مستحيل ( الطائرات الأمريكية قتلت 150 روسيا اقتربوا من قاعدة التنف العام الماضي ) ومن هنا سيكون الحذر الروسي من صدام مباشر مع الاسرائيليين واردا ، حتى بعد تسليم منظومة أس 300 إن ثبت أن تصريح لافروف معزز بوقائع على الأرض .
وكما يبدو ، فإن تقرير وزارة الدفاع الروسية الذي بثته نهاية الاسبوع من خلال الفيديو ، وبينت فيه رصد منظومة إس 400 في حميميم للطائرات الاسرائيلية هو رسالة للإسرائيليين بأن طائراتهم كانت مكشوفة ومرصودة ، ولكن لم يقل أي أحد حتى الآن ، بأن منظومة إس 400 لا يمكن اختراقها أيضا .
وكما هو متوقع ، فإن تحمل بوتين بشخصيته" القيصرية " المعروفة لتهديد اسرائيل باختراق هذه المنظومة لم يكن واردا ، فأوعز لوزير خارجيته ليعلن عن بدء تسليم المنظومة ردا على التهديد ، ولكن ، ماذا بإمكان بوتين أن يفعل أكثر من ذلك ؟ ..
خبراء عسكريون يقولون بأن استراتيجية الولايات المتحدة التسليحية تشترط تقدم التكنولوجيا الأمريكية على ما سواها بحدود 20 عاما ، بل إن ترامب نفسه وخلال قصفه لأهداف نظام الأسد في الحادي عشر من نيسان الماضي غرد قائلا : " إن الروس تعهدوا باسقاط جميع الصواريخ التي سنوجهها لسوريا ، استعدي يا روسيا ، لان لصواريخ قادمة وستكون جديدة وجميلة وذكية ولن تتمكنوا من اسقاطها " وقد ردت موسكو حينها بأن الصواريخ يجب أن توجه للإرهابيين وليس للنظام ، هكذا فقط ، دون أن يواجه بوتين التحدي بتحد آخر ، وإذا كانت طائرة الإف 35 ، وهي آخر صرعة في الصناعات الأمريكية باتت بيد سلاح الجو الإسرائيلي ، فإننا نفهم مغزى تصريح الخبير الأمني الإسرائيلي الذي قال بأن بإمكانهم التعامل مع منظومة الصواريخ إذا سلمتها موسكو للنظام السوري ، ولكن ، وخشية أية تطورات في العلاقة بين تل ابيب وموسكو ، فإن الصمت الأمريكي بشأن صواريخ أس 300 لا بد سيتغير ، وعلينا أن لا ننسى بأن الطائرات الأمريكية لا تغادر أجواء سوريا لوجود قواعد عسكرية أمريكية فيها ، فهل ستسمح الولايات المتحدة لصواريخ متطورة يمتلكها الأسد أن تسقط الطائرات الأمريكية ؟ .
لن يحدث صدام اسرائيلي روسي في سوريا ولا في سواها ، ولنتذكر بأن النظام السوري أسقط بصواريخ روسية طائرة إف 16 فوق الجولان في العاشر من شباط 2018 ، ولكن لنتذكر أيضا أن الضربة الأمريكية لمطارات النظام جاءت بعد شهرين من أسقاط الطائرة ، وليس مستبعدا ان إسرائيل تعمدت الثأر وكانت خلف اسقاط طائرة التجسس الروسية بعد سبعة شهور من سقوط طائرتها في الجولان ؟؟ .
الروس يعرفون قدرات الولايات المتحدة التي هي بالمحصلة قدرات لإسرائيل خاصة في ظل هذه الإدارة العنصرية المحازة والطائشة .
فكما أنه لا يمكن حل القضية السورية من دون الروس ، فإن من سابع المستحيلات المضي بحل من دون اسرائيل التي توعدت في خضم أزمة الطائرة باسقاط الاسد خلال ساعات ، وهو تحذير يخشاه بوتين لعلمه بقدرة اسرائيل على تحقيقه ، ومن هنا ولاسباب ذكرناها يكمن الحرص الروسي على علاقات متينة مع الإسرائيليين وإن شابتها هزات مختلفة لا تؤثر على الجوهر من أجل هذا الملف أو ملفات أخرى غير مرئية يعرفها الطرفان وينهمكان في التعامل معها بعيدا حتى عن أعين الأمريكيين .
وإذا كان علينا أن نتذكر دائما بأن ملف السفينة ليبرتي لا يمكن محوه من ذاكرة الأرشيف العسكري ، فإن ذاكرة الأرشيف السياسي تقول بأن روسيا " الاتحاد السوفيتي " هي أول دولة اعترفت بإسرائيل .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews