تأثير اسقاط الطائرة على العلاقات الروسية الاسرائيلية
بينما كانت المدمرة الأمريكية يو اس اس ليبرتي USS Liberty تبحر في المياه الدولية قبالة العريش المصرية خلال عدوان حزيران عام 1967 تعرضت لهجوم بالطوربيدات والنيران الجوية من قبل الطائرات الإسرائيلية المقاتلة مما تسبب بتدميرها ومقتل 34 وجرح 171 بحارا من طاقم المارينز الذين كانوا على متنها ، إلا أن الولايات المتحدة جمدت التحقيق في الملف حتى العام 1987 ، وهو العام الذي تم فيه طي الملف رسميا بعد عشرين عاما من وقوع الحادثة ، حيث اعتبر التقرير النهائي بأن ما حدث قد وقع " خطأ بنيران صديقة " .
لإسرائيل تجارب في قصف أهداف الحلفاء غير ليبرتي ، ولكن هذه المدمرة هي المثال الصارخ على أن الإسرائيليين يعملون وفق مصالحهم ، سواء فعلوا ذلك بالتنسيق مع واشنطن ، وهو ما ذهب إليه بعض الروس ، أو من تلقاء انفسهم لحصد مكاسب إضافية في الملف السوري يجب استغلالها خاصة عقب الإتفاق الروسي التركي الذي رسخ نفوذ أنقرة في الشمال مما أغاظ الغرب و تل ابيب بالطبع .
ولا نريد أن نقيس ما حدث لطائرة " التجسس " الروسية IL-20M التي اسقطتها دفاعات النظام السوري ليل الثلاثاء الماضي بما حدث لسفينة " التجسس " الأمريكية ليبرتي، وإن كان التفسير واحدا ، وهو " نيران صديقة " ولكن في الحادثة الثانية كان إسقاط الطائرة بتدبير إسرائيلي وبتنفيذ غبي من جيش النظام ، وهو ما ذهب إليه التفسير الروسي الأولي الذي صدر عن وزارة الدفاع ، والذي اعتبر أن المقاتلات الإسرائيلية اتخذت من الطائرة الروسية ستارا لهجومها على القاعدة الايرانية في اللاذقية ، غير أن إسرائيل رفضت ذلك وبعثت بقائد سلاحها الجوي إلى موسكو مدججا بالتسجيلات والفيديوهات ، مما تمخض عنه صدور بيان اسرائيلي فحواه : أن الروس اقتنعوا بأن الذي اسقط طائرتهم هي نيران النظام التي كانت تطلق بطريقة اعتباطية بينما كانت المقاتلات الإسرائيلية قد غادرت أصلا الأجواء السورية .
وأيا كان التوضيح الذي ستعلنه موسكو اليوم الأحد عن اسقاط طائرتها ، فإن ما خفي سيظل أعظم .
التحالف الروسي الإسرائيلي في سوريا أكبر من أن تعكره نيران صديقة إسرائيلية أعدت بذكاء وخبث ، ونقول ذلك بعد استعراضنا لطبيعة العلاقات بين الطرفين وقوتها ومتانتها ، وفي نفس الوقت لبيان وزارة الدفاع الروسية ، ومن ثم هدوء بوتين الذي دافع عن اسرائيل بقوله : إن اسرائيل غير مسؤولة وان سلسلة أخطاء هي سبب سقوط الطائرة " .
بوتين لم يقل ما قاله جزافا ، فالقيادة الروسية ترى بأن استراتيجيتها في سوريا لن تتحقق بدون تل ابيب ، وبدون تركيا ، ولكنها قد تتحقق بدون طهران ، ولذلك رأينا اجتماع سوتشي الأخير ينتهي بوقف هجوم ادلب و منطقة عازلة تحت اشراف تركي روسي مشترك ، مما صدم الأيرانييين والنظام الذين حشدوا عشرات الآلاف من الميليشيات الطائفية ، والذين كانوا يبشرون قبل ايام بـ " تحرير " آخر معاقل المقاومة المسلحة .
وقع ما وقع للطائرة الروسية ، ولربما نسمع خطوات تنسيقية أكبر بين موسكو وتل ابيب " لتجنب " مثل هذه الحوادث الناتجة عن " سلسلة أخطاء " مشكوك فيها ..
ما هي هذه السلسلة وما طبيعة هذه الأخطاء ..
هذا ما لم يكشف عنه بوتين في دفاعه عن اسرائيل التي هي " غير مسؤولة " عن اسقاط الطائرة ،كما جاء بتصريحه الذي حمل دلالات واضحة عن علاقات راسخة جدا بين الطرفين : علاقات مصلحية مختلفة ربما تتضح معالمها في الفترة القريبة القادمة .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews