شظايا الصدام التركى الأمريكى
تتطاير شظايا الصدام التركي الأمريكي لتترك بصماتها على الخريطتين الإقليمية والدولية، وتتجلى أولى نتائج الصدام في المزيد من التقارب الروسي التركي الإيراني، المنتظر ترجمته إلى أفعال في معركة إدلب الوشيكة، بأن يسهل لسوريا بسط سيطرتها على ما تبقى من أراضيها في شمال سوريا، ويتخلي عن جماعة النصرة الإرهابية، ويحتوي المنظمات التابعة لجماعة الإخوان، ويسحبها إلى الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، حتى التوصل إلى تسوية تحدد مصيرها، بينما ستكون القوات الأمريكية في شرق الفرات في موقف أكثر صعوبة، خصوصا بعد إعلان أكراد سوريا ولاءهم للدولة السورية، واستعدادهم لتسليم الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم، مقابل امتيازات إدارية لتجمعاتهم في شرق الفرات وعفرين. وحسمت قطر موقفها، واختارت الوقوف إلى جانب تركيا، بزيارة أميرها تميم بن حمد أنقرة، وتقديمه 15 مليار دولار كاستثمارات مباشرة لدعم الاقتصاد التركي، وهو ما سيباعد بين الولايات المتحدة وقطر، ليزداد وضع قطر تأزما بين جيرانها في دول مجلس التعاون الخليجي. كما أدت الأزمة إلى التقارب مع العراق، خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أنقرة، وإعلانه إنشاء صندوق مشترك للاستثمار، برأسمال 5 مليارات دولار، مع فتح الباب أمام الشركات التركية في إعمار العراق، وهو ما سيزيل الكثير من الاحتقان في شمال العراق.
أكبر المستفيدين من التباعد الأمريكي التركي هما روسيا وإيران، الساعيتان إلى توطيد العلاقة مع تركيا، وإخراجها من التحالف الأمريكي، وهو ما سيكون له نتائجه وتداعياته على موازين القوى في المنطقة، ويسهل حصار وإضعاف النفوذ الأمريكي. أما أخطر التداعيات فهي الخطوات الرامية إلى التخلي عن الدولار، وعدم استخدامه في التجارة البينية بين الصين وروسيا وإيران وتركيا، وهو ما يتيح الفرصة لهبوط الدولار من عرش العملات، وهو ما يمكن أن يشكل أكثر الضربات إيلاما للاقتصاد الأمريكي.
اللافت أن تركيا تلقت وعودا بالدعم من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي ماكرون، فأوروبا هي الشريك التجاري والاستثماري الأكبر لتركيا، وانهيار اقتصادها سيكون له توابع سيئة على الاقتصاد الأوروبي، ولهذا تحرص دول الاتحاد الأوروبي على عدم تعثر الاقتصاد التركي، بالإضافة إلى رفضها لاستخدام هراوة العقوبات الاقتصادية التي يشرعها ترامب في وجه الجميع.
لم تنشب الأزمة بين تركيا والولايات المتحدة بسبب القس الأمريكي المحتجز منذ نحو عام ونصف العام، وإنما كان المبرر لمعاقبة تركيا تقاربها مع روسيا وإيران، والابتعاد التدريجي لتركيا عن التحالف الأمريكي منذ تخلي الناتو عن تركيا في أزمة إسقاطها طائرة السوخوي الروسية عام 2015، لكن الأزمة الأعنف جاءت عقب محاولة الانقلاب الفاشلة ضد أردوغان، والتي يعتقد أردوغان أن لواشنطن يدا فيها، ثم مشاركة تركيا كلا من روسيا وإيران في اجتماعات سوتشي لحل الأزمة السورية بعيدا عن الولايات المتحدة، وجاء الرد الأمريكي بالتحالف مع أكراد سوريا، الذين يعتبرهم أردوغان عدوه الأخطر.
وترى واشنطن أن إعلان أردوغان أنه سيبحث عن شركاء جدد لم يكن سوى ذر للرماد في العيون، فقد وجد أردوغان الشركاء الجدد، بل عقد معهم اتفاقيات ومشاريع كبيرة، ووصل بحجم التبادل التجاري مع روسيا إلى 20 مليار دولار، ومقرر رفعها إلى 100 مليار دولار، وكذلك بلغ حجم التبادل التجاري مع إيران 10 مليارات دولار، ومقرر رفعها إلى 30 مليار دولار، وهناك اتفاقيات على مشاريع عملاقة مع روسيا منها إنشاء محطات نووية، وخط السيل الجنوبي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا، بالإضافة إلى صفقة صواريخ الدفاع الجوي الروسية إس 400، وشراء طائرة السوخوي 35 الحديثة. كما استغل أردوغان الأزمة مع الولايات المتحدة ليغطي على الأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية التركية، فالديون التركية قد ارتفعت في ظل حكم حزب الحرية والعدالة من 129 مليار دولار عام 2002 إلى نحو 450 مليار دولار حاليا، وبلغ العجز في الميزان التجاري العام الماضي 47.1 مليار دولار، ومن المتوقع أن يتجاوز 50 مليار دولار العام الحالي، وجاءت الفرصة لأن يلقي بالأزمة الأخيرة على الولايات المتحدة، ويبدو أنه يخوض حربا وطنية، وتلقف الرئيس الأمريكي ترامب هذه المبالغة، لأنها تصور عقوباته الاقتصادية على أنها هراوة قادرة على بث الرعب، وسوف تخيف القريبين قبل البعيدين، وتجعلهم يسلمون بكل ما تطلبه واشنطن. لم يكن أردوغان يريد الصدام مع الولايات المتحدة، بل يحاول حتى الآن تجنبه، فقد كان يطمح إلى أن يستفيد من جميع الفرقاء، ويجمع كل الأطباق الشهية إلى مائدته، من الجونج باو الصيني إلى الهامبورجر الأمريكي مرورا بالكافيار الروسي، وأن يدخل الاتحاد الأوروبي فوق السجاد الإيراني، ويجري وراء أوهام دون أن يلتفت إلى موضع قدميه، لتكون نهايته في تعثر لا يمكنه النهوض من بعده.
الاهرام
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews