حرب الأردن على الإرهاب: المقاربات الأمنية وحدها لا تدحر الفكر المتطرف
الحكومة الأردنية تؤكد أن المعركة مع الإرهاب مفتوحة ومستمرة، ومراجعة المناهج التعليمية جزء من استراتيجية المواجهة.
ضرب الإرهاب يوم الجمعة الماضي مرة أخرى الأردن، ليعيد فتح باب الجدال والنقاش في الأوساط الأردنية بشأن عدم وضوح استراتجيات مقاومة الإرهاب. وأكّدت المتحدثة باسم الحكومة الأردنية جمانة غنيمات أنّ المعركة مع الإرهاب تبقى مفتوحة ومستمرّة وأن حادثة السلط ليست استثناء، داعية الجميع إلى وجوب تطوير استراتيجيات مكافحة التطرف.
ورغم وجود إجماع لدى العديد من الخبراء الأمنيين على أن الأسباب التي أدت إلى ظهور خطر تنظيم الدولة الإسلامية ما زالت موجودة في ظل وجود دول محيطة بالأردن كانت مصدرا للإرهاب إلا أن للظاهرة جذورا أعمق مما يجري في سوريا والعراق وفوضى المنطقة الإقليمية.
يبقى خطر الإرهاب في الأردن وفق دراسة أعدها الباحث كيرك سويل المقيم في عمان وصدرت عن مجلة مقاربات حول الإرهاب مستمرا رغم النجاحات الأمنية والدعم الغربي والعربي وذلك لعدة أسباب، بعضها خارجي مثل تأثر المملكة بالوضع الإقليمي المضطرب، ومنها ما هو أعمق ومرتبط أساسا بسياسات “أمنية” مجتمعية وتعليمية.
ويعد الأردن من دول المنطقة التي عرفت خطر الإرهاب منذ سنوات طويلة، ورغم أن السلطات الأردنية نجحت في مقارباتها الأمنية في مواجهة الإرهاب وتفكيك العديد من الخلايا إلا أن الهجمات التي تشهدها من وقت لآخر تعيد طرح التساؤل عن الأسباب التي تجعل هذه المقاربة قاصرة رغم نجاحها، وهي أسباب تشترك فيها الأردن مع عدد كبير من الدول في المنطقة العربية.
المناهج الدراسية
عادة ما يتم اللجوء إلى إرجاع مخاطر الإرهاب إلى قوى خارجية أو أسباب اقتصادية، دون التطرّق إلى أسبابه الأخرى كالخلفيات الداخلية للمجندين وثقافتهم وتعليمهم. وتظهر الدراسة أن أي قائمة لأول الزعماء الجهاديين العالميين الإثنى عشر في الجيل الأخير تتضمن أربعة أردنيين هم عبدالله العزام وأبوقتادة الفلسطيني وأبومحمد المقدسي وتلميذه أبومصعب الزرقاوي.
وإثر تطور الأوضاع في سوريا في 2011، سافر ما بين 3000 و4000 أردني للقتال خلال الحرب، وذلك بالرغم من المراقبة الأمنية المشددة التي أفضت إلى إيقاف الكثير قبل المغادرة، وهو عدد كبير جدا مقارنة بعدد السكان.
وتُفسّر ظاهرة الجهاديين الأردنيين بمنطلقات تاريخية، حيث يشير سويل إلى أنه ظهرت في الأردن منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي حركة سلفية نشطة وجيدة التنظيم.
وفي حين أن السلفية التقليدية تقف من الناحية السياسية على طرف نقيض من تنظيم سلفي جهادي مثل القاعدة، فإن آراء المجموعتين بخصوص قضايا مثل دور الدولة والعلاقات الخارجية مع غير المسلمين والجهاد تتلاقى بشكل كبير. والكثير من السلفيين الجهاديين يبدأون من السلفية العادية.
جسر الهوة
في مواجهة الخطر المتصاعد اعتمد الأردن، وفق دراسة سويل، على سياستين منذ سنة 2014، مبينا أن عمّان كانت مقتنعة بأنه يجب عليها أن تتحرك لجسر الهوة بين التوجه الثقافي والتوجه الديني للبلاد. وانتهجت السلطات الأردنية سياسة أولى تمثلت في مجهود لفرض سيطرة أكثر تماسكا على الخطب في المساجد في كافة أنحاء المملكة، عبر إحداث “نظام خطب موحد” وإقصاء الأئمة المؤيدين للنزعة الجهادية من المساجد.
أما السياسة الثانية فتكمن في الإصلاح التربوي الذي نتجت عنه -إضافة إلى تغييرات أخرى- مراجعة المواد المقررة في التعليم والتي لها علاقة بالتاريخ الإسلامي. وكانت التغييرات المتعلقة بالتعليم مثيرة للجدل ولكنها موضحة لسياسات الأردن في محاربة النزعة الجهادية.
وركزت دراسة كيرك سويل على الجانب المتعلق بدور المناهج التعليمية في الأردن تحديدا، حيث رأى أنها ترسخ بشكل غير مباشر أرضية سهلة يمكن للجهاديين لاحقا النبش فيها لاستقطاب المقاتلين.
وأشار سويل في هذا السياق إلى “الإصلاحات الكبرى” في جوهر نصوص منهج الدراسات الإسلامية المعمول به في الجامعات الأردنية، من خلال تحويل منهج منغمس في ما يمكن تسميته “(نزعة) جهادية ناعمة” (تتماشى مع المفاهيم التاريخية للجهاد) إلى نظرة للإسلام تتماشى أكثر مع الدولة الأردنية الحديثة.
وتوضح الدراسة هذه الرؤية من خلال إلقاء نظرة على طبعة سنة 2013 من كتاب نصوص الثقافة الإسلامية مبرزة أن تركيزه على مفهوم “الدولة الإسلامية” و”الجهاد” كوسيلة لنشر الإسلام بذات القواعد المتبعة خلال القرون الأولى من الإسلام يعني أنه يتبنى نظرة، وإن كانت بعيدة بشكل من الأشكال عن النظرة السلفية الجهادية، فهي أقرب إلى فكر القاعدة منها إلى فكر المملكة الهاشمية وسياستها، مما يسهل التحول من الإسلام المعتدل إلى السلفية الجهادية.
وكان رئيس جامعة الأردن عزمي المحافظة السابق (وزير التربية والتعليم الأردني في حكومة عمر الرزار الراهنة) قال في أكتوبر 2016 إنه فيما يتعلق بمحاربة “التطرف”، كان منهج الثقافة الإسلامية ينتظر تغييرات.
وتقر الدراسة بأنه في حين أن المسؤولين الأردنيين لم يعترفوا صراحة بأن “تعليمهم الإسلامي” كان مسؤولا عن مساهمة الأردن في الجهاد العالمي، تم إنجاز المراجعات بشكل واع، وإن لم تناقش التغييرات الكبرى علنا.
كما أقرّ وزير التربية والتعليم السابق محمد ذنيبات، في مؤتمر حول دور الأسرة في مواجهة الإرهاب، بأن “المناهج تحوي بعض الثغرات، التي لا تتفق وسياسة الوزارة في نهج الاعتدال والوسطية”.
تعتبر الدراسة أن أحد أهم التغييرات في استراتيجيات عمان لمكافحة التطرّف جاء عبر تقدير طبعتي 2015 و2017 فيما يتعلق بعقيدة الجهاد، ليكتب الجزء الرابع من كتاب النصوص الأصلي بعنوان “الإسلام والعلاقات البشرية” وكأنه توفيق بين النظرة التي سادت أثناء الفتوحات الإسلامية في القرون الأولى من الإسلام وبعدها بقليل، والعلاقات السلمية للأردن المعاصر مع الدول الأخرى، وذلك باحتوائه على قسم حول الحاجة إلى الحوار.
وأكد سويل أن طبعة 2015 عدّلت قسم “الجهاد في الإسلام” وذلك بُغية إزالة أي معنى للجهاد كوسيلة لنشر الإسلام، مشيرا إلى أنه رغم محافظة هذا القسم على هيكلة طبعة 2013، تمت إزالة النصوص التي تشير إلى “نشر الإسلام” عن طريق الجهاد وتمت إعادة صياغة الجهاد على أنه يتمحور حول غرضين اثنين: “الدفاع عن النفس للمسلمين” و”الدفاع عن حق غير المسلمين في اختيار دينهم”.
وخلصت الدراسة إلى أن الإحالات إلى “قتال المشركين” التي تظهر في مصادر بداية الإسلام أعيد تأويلها ومراجعتها وفق السياقات الخاصة والعامة وبشكل معاصر لتكون حول الحرية الدينية. كما يشيد الباحث بإعادة طبعة 2015 طباعة النص الكامل لـ”رسالة عمّان”، وهو إعلان صدر في 2004 بين 84 حكومة، بتنسيق من الأردن، أدانت الإرهاب الديني وطرحت رؤية للإسلام تركز على التعايش، حيث يعلن جزء من البيان أن “المملكة الهاشمية الأردنية تبنت سبيلا يبرز الصورة الحقيقية للإسلام …”.
العرب اللندنية
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews