ماذا يجري في الجنوب السوري .. هل انتصر الاسد ؟
لعل ما حدث في اليومين الأخيرين في الجنوب السوري فسر على "الأرض" تصريحات كان قد أطلقها دونالد ترامب على " الهواء " بشأن نيته الإنسحاب من سوريا .
جاء تصريح ترامب - حينها - في غمرة احتدام التحقيق بملف التدخل الروسي بالإنتخابات الأمريكية ، حيث كان رسالة مشفرة للروس بأن الأمريكان راحلون كقوات برية ، وبأنه لا تنافس معهم في سوريا إلا في ما يهم المصلحة الأسرائيلية العليا التي قال عنها دينيس روس في مقال نشره نهاية الاسبوع في الواشنطن بوست بأنها ستجعل الولايات المتحدة تقف بكل قوتها مع إسرائيل في حال نشبت مواجهة بين تل ابيب وطهران في سوريا أوامتدت إلى حرب شاملة .
لقد ترجم ترامب اعلانه ذاك قبل ايام بطلبه من المعارضة في جنوب سوريا قلع شوكها بيديها ، وهو أمر لم يفاجئ الإسرائيليين ولا الروس بالطبع ، انطلاقا من مواقف أوباما إياها التي لم تغضب أيا من حلفائه باستثناء العرب ، والآن مواقف ترامب التي لا تختلف عن سلفه سوى بمزيد من الجعجعة .
أما الأيرانيون فمتخوفون من هذا الذي يجري ، ومن أن تكون هناك تفاهمات أمريكية - روسية على حسابهم غيرمعلنة، ولذلك فإنهم يترقبون ما ستفضي إليه قمة هلسنكي في فنلندا بين الرجلين منتصف تموز الجاري ، وبغية طمأنتهم سارعت موسكو إلى التأكيد بأن لإيران مصالح في المنطقة وفي سوريا لا يجوز تجاوزها ، ولكن أحدا لن يكون بإمكانه إقناع المراقب بأن الصمت الإسرائيلي على ما يجري في درعا بعد التحفظ الشديد والتهديد والوعيد والقصف الروسي وقصف طيران النظام قريبا من الحدود لم يكن وفق تفاهمات روسية - أسرائيلية - أمريكية طبخت بليل ، لسبب اسرائيلي وحيد : هو قبول تل ابيب بسيطرة الأسد على كامل الجنوب والجنوب الغربي بل والمناطق التي خسرها في عموم سوريا شريطة عودة الطرفين إلى خط الهدنة في العام 1974 الذي رسم عقب ما عرف بحرب تشرين " التحريكية " إياها والتي لم تقدم لسوريا ولا للجولان ولا لقضية فلسطين التي كانت مركزية شيئا ، حيث انتهت إلى سلام غير معلن بين دمشق وتل ابيب امتد 40 عاما ، بينما أفضت لاتفاقية لم يحصد منها المصريون شيئا سوى خدعة كامب ديفيد .
لقد كانت لعبة سياسية ذكية تلك التي أعلنها نتنياهو عن رفضه وجود مقاتلي حزب الله والحرس الثوري بالقرب من الحدود ليتبين بأن القصف الذي اجبر هؤلاء على الفرار بعيدا إلى الشرق مؤخرا قبل عودتهم بموافقة تل ابيب كان مقدمة لتوافق روسي - اسرائيلي بوقف ملاحقة مقاتلي الحزب والحرس إلى حين استكمال " تحرير " الجنوب وبعدها يغادرون ويبقى النظام ، وكما تقول المعطيات الميدانية ، فإن نتنياهو وافق على ذلك بينما قام الروس بتزويد ميليشيا حزب الله بملابس عسكرية روسية لمساعدة متخذي القرار في إسرائيل على مواجهة أي انتقاد ، وهو ما كشفته مواقع أمنية اسرائيلة محسوبة على الاستخبارات بدون مواربة ، وإذا قرأنا فرار مقاتلي حزب الله من المنطقة بداية الجولة العسكرية فإنه كان فرارا حقيقيا قبل انتزاع بوتين من نتنياهو موافقته على الصمت إذا أراد أن تعود المياه إلى مجاريها ويتمتع الجولان والمنطقة الحدودية بالأمن على يد قوات بشار الأسد فقط ، ومن هنا نفهم زيارة نتنياهو المرتقبة لموسكو يوم الأربعاء القادم والتي تسبق قمة فنلندا ، حيث لن تقبل إسرائيل بالحرس والحزب على حدودها أبدا وإلا فستقلب الطاولة .
ولأن القضايا العالقة بين الروس والغرب - أوروبا تحديدا - تتربع القرم واوكرانيا على قمتها ، فإن الملف السوري الذي أعلن عن أنه الملف الرئيس الذي ستبحثه قمة ترامب - بوتين لن يكون فعليا هو الوحيد ، حيث يطمع ترامب بأن يكون هذا الملف بداية تفاهم روسي أمريكي على قضايا دولية أخرى ، ومن أجل ذلك عبر حلف الأطلسي السبت عن قلقه من هذه القمة التي لم يستشر ترامب بها أحدا من حلفائه كما كشف الألمان ، لدرجة أن البعض قرأ هذا اللقاء بأنه نكاية أمريكية بالحليف الأوروبي الذي يمكن استبداله بالروس ، وتخل عن القضية الأوروبية الأولى ،ووفق أحلام ترامب الإستراتيجية الأخرى ، فإنه يضرب ضربته الكبرى في فك التحالف الروسي الصيني ، والروسي الإيراني إن تسنى له ذلك وهو ما لن يستطيع أحد التنبؤ به إلى حين انكشاف ما اتفق عليه خلف الأبواب المغلقة .
لقاء نتنياهو مع بوتين هذا الاسبوع ولقاء ترامب مع بوتين منتصف الشهر يجيء في سياق تأكيد المؤكد غير المعلن بين هذه الأطراف مجتمعة كل وفق مصالحه ، وسواء تعلق الأمر بسوريا أم أوروبا فإن الروس يعملون " كالمنشار " بما في ذلك علاقتهم مع جميع الأطراف والأتراك من بينهم ، ولكن ، ولأن سوريا ساحة حرب تتصارع فيها مختلف الدول الإقليمية والدولية فإن الغبي هو الذي يعتبر التطورات الأخيرة انتصارا للنظام على الثورة .
هل انتصر النظام فعلا ؟ ..
نستذكر في هذا المقام شريط فيديو نشر على اليوتيوب قبل سنوات ظهر فيه شبيحة الأسد وهم يقفون على رأس مواطن سوري في ريعان الشباب تم دفن جسده كله في حفرة باستثناء رأسه حين قال له أحد آسريه وهو يحمل مجر فة : " قول لا إله إلا بشار " .. فقال بصوت متهدج قبل أن يختفي رأسه تحت التراب : " لا إله إلا الله " .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews