Date : 19,04,2024, Time : 02:39:01 PM
2643 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الأحد 05 رمضان 1439هـ - 20 مايو 2018م 12:28 ص

يقادون إلى الديمقراطيّة في السلاسل

يقادون إلى الديمقراطيّة في السلاسل
منصف الوهايبي

لعلّ أقوى ما تتميّز به الدول الغربيّة، وإنْ في صور متعدّدة وبطرق شتّى؛ هو حفظ الديمقراطيّة بكلّ ما تعنيه من تداول سلميّ على السلطة، ومحافظة على كيان الفرد والشعب والدولة. ولذلك فإنّ الإحجام عن التصويت تحوّل في بلد مثل فرنسا إلى ظاهرة ذات أهميّة قصوى منذ أن تميّزت الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2017 بنسبة عالية من المحجمين أو المقاطعين أو الممتنعين أو اللامبالين؛ بلغت حوالي25 في المئة. هذا هو معدّل الامتناع عن التصويت في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لعام 2017 التي فاز بها إيمانويل ماكرون على مارين لوبين؛ وهو أعلى مستوى منذ عام 1969. بل إنّ الناخبين كانوا أقل تعبئة للدور الثاني من الأوّل، قبل أسبوعين لأن 22.23 في المئة من الأشخاص المسجّلين في القوائم الانتخابيّة لم يصوّتوا لسبب أو لآخر. وقد لا يخفى أنّ الانتخابات الرئاسيّة هي الأكثر شعبيّة في فرنسا؛ ومن ثمّة كانت الدعوة إلى مكافحة هذه الظاهرة المتنامية، بجعل التصويت إلزاميّا أو إجباريّا.
أمّا هذه النسبة من الإحجام، فلا مسوّغَ لها في فرنسا سوى أنّ التصويت حقّ مدنيّ يكفله الدستور؛ وليس واجبا شرعيّا أو قانونيّا، وكان ذلك منذ أن تمّ اعتماد حق الاقتراع العامّ للذكور عام 1848، ثمّ استكمل بعد أقلّ من قرن بقليل، بحقّ النساء عام 1944. ويترتّب على ذلك أنّ الدستور يكفل لأيّ مواطن يتمتّع بحقوقه المدنيّة، أن يتمتّع بحريّة المشاركة أو عدم المشاركة في الانتخابات. والفرنسي شأنه شأن الغربي عامّة، اكتسب خلال سير الزمن ومدارج التقدم، شعورا بفرديّته وإحساسا بشخصيّته يكاد يبلغ حدّ القداسة، فلا غرابة أن حملت بطاقات الانتخاب هذا الشعار «التصويت حقّ، وواجب مدنيّ أيضا». ومع أنّ دولا مثل إيطاليا وهولندا ولوكسمبورغ، قد تخلّت عن الاقتراع الإجباري؛ فإنّ دولا أخرى في أوروبا مثل اليونان والدانمارك وقبرص، لا تزال تعمل به. واحتفظت به بلجيكا، وهي أقدم مثال على هذا الاقتراع الإجباري الذي أقرّ منذ عام 1893. وهي على غرار أستراليا والبرازيل، يقترن فيها هذا الإلزام بعقوبات ماليّة وإداريّة رادعة؛ وفي قانون الانتخابات البلجيكي يدفع المُمتنع أو المحجم عن التصويت غرامة تتراوح بين 30 و 60 يورو في المرة الأولى، وتصل إلى 150 يورو في حال ارتكاب المخالفة ثانية. بل قد يحرم من حقّه في التصويت مدّةَ عشر سنوات، إذا هو أحجم عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع أربع مرات خلال فترة خمسة عشر عاما؛ تضاف إليها عقوبات أخرى صارمة. تنصّ المادّة 62 من الدستور البلجيكي على أنّ «التصويت إلزاميّ وسريّ»، وكان التفكير في ذلك قد بدأ منذ عام 1890؛ إذ تبيّن أنّ واحدا من بين ثلاثة ناخبين، يحجم عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع. وذهب في ظنّ السلطة آنذاك، أنّ العديد من البلدان ستحذو حذو بلجيكا؛ وهو ما لم يقع إلاّ في دول قليلة جدّا. ومع ذلك يضمن النظام نسبة مشاركة عالية، بلغت 90 في المئة؛ يغبطها عليها جيرانها الذين يعانون من تنامي نسبة المحجمين عن التصويت. ولكن من البلجيكيّين من يرى في هذا الإلزام الذي يثير استياءهم وتذمّرهم، «طفَالة» (بقاء طبائع الطفولة بعد سنّ البلوغ)، أو تصرّفا صبيانيّا من السلطة؛ أو كأنّ الدولة تعامل مواطنيها معاملة القصّر عقلا وسلوكا. بيْد أنّ هذا القانون ظلّ نظريا، إذ لم يُعاقب أيّ مواطن ممتنع أو محجم، منذ 2003، حتى أنّ جريدة «لوسوار» كتبت: «أنت لا تخاطر تقريبا بشيء، إذا لم تُصوّت». وتقول ألكسندرا هنري البالغة من العمر 27 عاما التي عاشت في مرسيليا وباريس «إنّ لدى البلجيكيّين بالرغم من شعورهم بالاطمئنان، انطباعا بأنْ لا فائدة من أصواتهم». وتتساءل: «لماذا لا نمكّنهم من خيار عدم التصويت؟ فهذه وسيلة للتعبير عن الذات هي أيضا». وتضيف: «ومع ذلك، لا شيء يمنع الناخب من استخدام بطاقة الاقتراع الفارغة أو إعادة بطاقة الاقتراع». ومنذ سنوات قال وزير العدل السابق ستيفان دي كليرك (الحزب الديمقراطي المسيحي، الناطق باللغة الهولندية) إنّ «محاكمة المواطنين الذين لا يحترمون التصويت الإلزامي يتطلّب جهدا كبيرا من العدالة»، ودعا ألكسندر دي كرو، الذي كان حينها رئيس الحزب الليبرالي المفتوح إلى اتّخاذ قرار واضح: إمّا تطبيق العقوبات أو التخلّي عن الاقتراع الإلزامي. وفي الآونة الأخيرة، أعاد جورج لويس بوشيز من حركة الإصلاح وهو مشايع لنظريّة روسو، طرح الموضوع: «يجب علينا إلغاء التصويت الإلزامي، فنحن في بلدنا نعرف أنّ الجميع يذهبون إلى صناديق الاقتراع مع توازنات معروفة مسبقا. وهذا لا يشجّع على المجازفة. وعندما يكون التصويت اختياريّا، يمكن أن يقلب المعادلة و[يغيّر اللعبة]». ويقدّم مثال الضواحي في فرنسا حيث أصبحت أصوات السكان قضيّة مطروحة بعد أحداث الشغب في عام 2005.
ليس بالجديد إذن أن يطرح الاقتراع الإلزامي في أوروبا، من أطراف مختلفة سياسيّا إلى حدّ التباين بالجملة، وفيهم الاشتراكيّون والليبراليّون والخضر. وكلّهم يرى من منظوره أنّ هذا الإلزام من شأنه، أن يعزّز لا روابط المواطنين بالجمهوريّة فحسب، وإنّما شرعيّة المرشّحين المنتخبين أيضا؛ على أن تكون النتيجة الطبيعية لهذا التصويت الإلزامي الدمج الرسمي للتصويت الفارغ، من أجل الحفاظ على حرية تعبير المواطنين ومنعهم من الإجبار على التصويت لمرشّح لا يوافقون عليه. أمّا المدافعون عن الحفاظ على التصويت الإلزامي، فإنّهم يخشون من أن يؤدي إلغاؤه إلى إضعاف التمثيل في السياسات. فهم مقتنعون بأنّ الطبقات الشعبيّة ستتوقّف عن جعل أصواتها مسموعة. ويبدو أنّ هذا النقاش سيستمرّ في بلجيكا حتى الانتخابات الفدرالية لعام 2019.
غالباً ما يُنظر إلى التصويت في الانتخابات على أنّه إقرار ضمنيّ بمبدأ الموافقة على القرارات الجماعيّة التي تتّخذها الدولة. ولكنّ معدلات الامتناع العالية في أوروبا عامّة، تشير إلى إخفاق النظام الذي أطلق عليه اسم الديمقراطية، وكأنّه نظام سياسي أصبح غير أخلاقي، أو مُخِلّا بالحرّيات الفرديّة، مقارنة بالنظام القديم أو الاشتراكي.
أمّا في البلاد العربيّة مثل تونس وهي تعيش ديمقراطيّة ناشئة سائغة مقبولة عموما مقارنة ببلدان عربيّة قريبة أو بعيدة ممزّقة الأوصال مصدوعة الوحدة، فإنّ الانتخابات البلديّة الأخيرة وقد جرت دون إخلالات تذكر أو لم يكن لها تأثير في النتائج، كانت مخيّبة للآمال في مستوى مشاركة المواطنين؛ لأسباب سياسيّة على ما يقول أهل السياسة، واقتصاديّة على ما نرجّح؛ فالتونسيّون يعيشون ظروفا معيشيّة عصيبة، وهم الذين كانوا ينتظرون أن تجودهم الثورة بثرائها الجمّ. أمّا وقد رابهم وهنُ المنى وانقباضها، فقد انصرفوا إلى حياتهم الخاصّة؛ وكأنّ الديمقراطيّة عندهم زخرف من زخارف الحضارة أو هي لون من ألوان مجتمعات الوفرة. هي انتخابات ديمقراطيّة، ولكنّها خلت من الحيويّة والروح المتوثّبة، في بلد يعرف أهله جيّدا الويلات التي جرّها عليهم الرأي الواحد والحزب الواحد والزعيم الواحد. وقد بلغت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات البلديّة، وهي الأولى بعد الثورة في تونس، 33،7 في المئة فقط، حسب الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ممّا اعتبره المراقبون نكسة للطبقة السياسيّة وعزوفا عن الأحزاب؛ وهو ما يفسّر فوز المستقلّين بالمراتب الأولى في عدد هامّ من البلديّات. قالت الهيئة إن 1.797.154 تونسيّا قد أدلوا بأصواتهم، من أصل أكثر من 5،3 مليون ناخب مسجّل في بلد يبلغ عدد سكانه 11،4 ملايين نسمة.
هل يمكن أن تكون ديمقراطيّتنا نحن العرب ضربا من الرفاه الفكري حتى ونحن لا نطلبها، ولا نختبرها نظريّا وإجرائيّا؟ أيمكنُ لنا ذلك، كما قال لي زميل جامعيّ مرموق من المحجمين؛ ونحن نرى القضيّة الفلسطينيّة وقرينتها السوريّة ـ على عدالتهما والجرائم المروّعة في حقّهما ـ تتعقّدان يوما بعد يوم، ناهيك عن الشأن العراقي وقرينه اليمني، وقضايانا نحن عرب الشمال الافريقي التي تراوح مكانها: ليبيا والبوليزاريو خاصّة؛ وحيث لا توجد حقوق، لا توجد واجبات؟ وعلى ما في النوستالجيا وهي ضمادٌ (أو لَصقة بعبارتنا اليوم) لجروح الروح وندوبها، فإنّ ما ابتلي به عرب الرّاهن التّاريخيّ وما ساموا به أنفسهم بأنفسهم، قبل أعدائهم؛ ممّا يصرفنا عن طلب الديمقراطيّة أو توجيه أقلامنا ناحيتها.
للديمقراطيّة حدود، لعلّ أظهرها ضمان السّلم والأمن والطّمأنينة، وتدبّر شؤون الجماعة بقدر معقول والتداول السلمي على الحكم، ونحن لم نوفّر بعدُ الحدّ الأدنى من هذا الضّمان، على اختلاف مجتمعاتنا. فهل الديمقراطيّة مطلب مشروع لبعض البشر دون الآخرين؟ أم هل نحن نقاد إليها في السلاسل؟
أنكون جاهلين بما يعنيه دخول خلوة التصويت، ووضع بطاقة سرّيّة في ظرف ووضعه في فتحة الصندوق؟
كاتب تونسي

11RAI




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد