هل ينجح ترامب في إنشاء تحالف دولي ضد إيران ؟
ما كشفته مصادر في الخارجية الأمريكية عن إنشاء تحالف دولي ضد إيران على غرار ما جرى مع تنظيم داعش يعتبر خطوة عملية " جديدة " في سياق الضغط على طهران تمهيدا لطردها من أماكن انتشارها في المنطقة ، وهو ما لا يبدو سهلا وسريع التحقق .
سبب ذلك يعود إلى أن الموقف الدولي تجاه إيران غير موحد بعكس ما كان عليه الأمر مع داعش ،فبالإضافة إلى مصالح الشركات الأوروبية التي كانت محور اجتماع قادة الإتحاد الأوروبي ( 28 دولة ) نهاية الأسبوع في صوفيا عاصمة بلغاريا والتي أجمعت ( يعتقد أن ذلك مؤقتا ) على الحفاظ على الإتفاق النووي ، والعلاقات "التكتيكية " بين طهران وعدد من العواصم المؤثرة مثل موسكو والصين وغيرهما ، هناك سبب غير معلن ، وهو لن يعجب كثيرا من السطحيين الذين يعتبرونه " إنشاء " وخاصة القومجيين وغيرهم من بائعي الكلام والبيانات المدفوعة مسبقا ، وهو أن هناك رؤى سياسية متطابقة حول أهمية إيران وضرورتها في كبح أي طموح للبلدان الإسلامية السنية التي يشكل توحدها ، أو على الأقل موقفها الموحد خطرا استراتيجيا على المصالح الغربية والشرقية معا ، وإذا ما بدا هذا المعطى ساذجا لدى كثيرين كما قلنا ، بسبب أن الدول العربية والإسلامية أعجز من أن تشكل أي خطر سوى على نفسها وبعضها ، وبسبب أن الأيدلوجيا مستبعدة في النزاعات الدولية الكبرى كما يزعم هؤلاء وأشباههم ، رغم ما فعله المحافظون الجدد المتصهينون بمنطقتنا وما انتهى إليه ترامب بشأن القدس واوباما الذي طلب من العرب الإعتراف بدور إيران ونفوذها والذي حمل إليها طائرة خاصة مليئة بملايين الدولارات الأمريكية " كاش " إلا أنه - أي المعطى المذكور - منسجم في الوقت نفسه مع الرؤية الأمريكية والتي لها طريقتها الرامبوية في درء مثل هكذا خطر وبوسائل ثبتت نجاعتها عند العرب فقط منذ منتصف القرن الفائت وحتى الآن ، أما من يعتقد بأننا نتحدث في الهواء بعيدا عن التحليل الموضوعي فإننا نحيله إلى تصريح رسمي لوزير الخارجية الروسي الذي أعلن بأن موسكو ترفض بالمطلق أن يحكم السنة سوريا ، وهو تصريح بات معروفا ومشهورا ، ولا نعتقد هنا بأن لافروف يهذي أيضا ، ناهيك عن تصريحات ترامب الكثيرة التي يتحدث فيها عن أن كل أموال الدول الخليجية يجب أن تصب في الجيب الأمريكي ، وهو يقول ذلك وعلنا وفي مؤتمرات صحفية .. وبالإضافة إلى ما ذكر ، فإن هناك دولا أخرى غير أوروبا ، لن تدخل في مثل هكذا تحالف مع واشنطن بدون ثمن .
وأيا كان الأمر ، فإن هناك - أيضا - قراءات أولية تقول بأن الأوروبيين لن يصمدوا أمام تهديدات ترامب الذي ستشمل عقوباته أي شركة بغض النظر عن جنسيتها ، وفي النتيجة ، فإن الشركات المختلفة لن تخاطر بمصالحها مع الولايات المتحدة نظير مصالحها مع إيران ، حيث تقطع كل الدلائل بأن الإجماع الأوروبي في ما يتعلق بالملف النووي فقط وليس دخول التحالف الجديد سينفرط شيئا فشيئا ، ولربما يسبقه توافق للإبقاء على الإتفاق ولكن مع إجراء بعض التعديلات عليه طمعا في إرضاء الأمريكيين ، وإن كان السيف الأمريكي - ساعتئذ - يكون قد سبق العذل الأوروبي وحدد مسارات بعينها للتعامل مع الدولة الفارسية .
ومن اللافت في تقارير وكالات الأنباء ومقالات الكتاب والمحللين ، أنها كلها تركز على القراءة السياسية والإقتصادية في المشهد الحالي ، بينما غاب عن هؤلاء أمر من شأنه أن يقلب كل التوقعات في المنطقة حول الإتفاق النووي وإيران ، وهو البعد العسكري الإسرائيلي المتحفز والصلب والنشط .
فبعد يوم من انقضاء اجتماع صوفيا هزت انفجارات ضخمة الجمعة مطار حماة العسكري الذي يضم معسكرات للحرس الثوري الإيراني ولحزب الله اللبناني ، وهو خبر كشفت عنه وكالة سانا التابعة للنظام وليس مصادر المعارضة ، مما يؤشر إلى أن إسرائيل ماضية في منع إيران من التخندق في سوريا وبأي ثمن ، ولكأن هذا القصف المتكرر رسالة واضحة إلى أن أوروبا والروس أو غيرهم لن يستقر لهم قرار في سوريا طالما أن مصالح إسرائيل غير مصانة ، بل إن ما قاله بوتين للأسد في سوتشي قبل أيام كان رسالة روسية لإيران وبمثابة جس نبض ، عندما أكد بأن على المقاتلين الأجانب مغادرة سوريا ، قبل أن يعود الناطق باسم الكرملين ويتحدث عن أن الرئيس قصد المقاتلين والقوات الموجودة بدون إذن من النظام ، وهو ما تكذبه الوقائع ويكشفه موقف روسيا الحقيقي من ضرب إيران في سوريا ( خصصنا لذلك مقالة كاملة تجدونها في أرشيف المقالات ).
ولأن الشيء بالشيء يذكر ، ، فقد نشر موقع جي بي سي نيوز تقريرا ترجمه عن موقع ديفكا العبري الإستخباري كشف بأن اجتماعا أمنيا عقد مؤخرا في واشنطن بين قيادات أمنية إسرائيلية وأمريكية تقرر فيه مواصلة ضرب المواقع الإيرانية في سوريا وبدون توقف وعلى فترات ، وهذا ما يحصل الآن بالضبط وآخره مطار حماة العسكري ، وهو ما استوعبه الروس ولم تستوعبه أوروبا كما يبدو .
الأوروبيون ليسوا على قلب رجل واحد ، ومن يدري ، فقد تكشف الأيام القادمة عن صفقات من تحت الطاولة ، يكون محورها في العلن ضد " إيران " بينما هي في الحقيقة ضد العرب ، وضد ما تبقى من ثرواتهم ..
وأوطانهم !.
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews