موقف روسيا السري من ضرب إيران
ما من شك بأن الروس مرتاحون للتهديدات الأمريكية تجاه إيران ، بل وحتى الإسرائيلية إن شئتم ، بغض النظر عما يقال عن حلف استراتيجي بين البلدين في أكثر من ملف وأهمه سوريا : .
فالإيرانيون الذين ما انفكوا يتبجحون بانهم سيطروا على عواصم اليمن وسوريا و لبنان والعراق ، باتوا الآن ينافسون الروس على مكاسبهم و" انتصاراتهم " في الحرب في سوريا تحديدا ، وبدأ صوتهم يعلو وتبجحهم يزداد ،ومن ضمن ذلك ما قاله قادة إيرانيون عن أنهم هم الذي انقذوا الأسد ولولاهم لسقط النظام ، وهو كذب مفضوح : ( تدخل الروس جاء والنظام شبه ساقط ) وجاء التشبيح الأيراني متزامنا مع انهيار قلاع المعارضة ولو مؤقتا واحدة أثر الأخرى، سواء في ما يسمى مناطق التصعيد ، أو وقف الأعمال الحربية ، حيث يتم ترحيل الثوار إلى جهة واحدة في الشمال ليسهل في النهاية القضاء عليهم دفعة واحدة . ( سبق وأن خصصنا مقالا عن ذلك وعما سيجري في إدلب في مقبل الأيام ) .
سوريا ، لمن يعرف مصالح الروس ، هي وتر موسكو الحساس في المنطقة ، فبسببه ألقت بكل ثقلها فيه بعد نكباتها في ليبيا ومن قبل في العراق وقبله أفغانستان التي كلفتها انهيارا استمر لأكثر من عقدين ونصف ، قبل أن يتمكن بوتين من استرجاع جزء من المجد التليد الذي شيد على جماجم القوميات الأخرى ، وهي - أي سوريا - قد تقبل القسمة على الأمريكيين والإسرائيليين والإيرانيين أيضا من ضمن مصالح مشتركة ، ولكن سبب التنافس بـ" النار " ، هو أن وجود الإيرانيين مختلف ، وأهدافهم مختلفة ، فهم الوحيدون الذين يحملون مشروع " إحلال " كامل وليس مجرد سيطرة ومنافع اقتصادية ، وعلى رأس ذلك تغيير نسبة السنة وتشييع الأكثرية الساحقة من العلويين بهدف الحصول على اعتراف بولاية الفقيه في النهاية ، وما يجري في دمشق من تهجير ، وفي عموم سوريا من تغيير ديموغرافي ليس سوى مشهد بسيط من الصورة الشاملة التي تجذرت في رأس خامنئي وشيوخ الملالي المتخلفين من أصحاب العمائم البيضاء والسوداء المتحلقين حوله تحلق السوار بالمعصم ..
ولكن : هل تهتم روسيا وغيرها بالتغيير الديمغرافي وتشييع السنة طالما أن مصالحها في حميميم وطرطوس والمتوسط مكفولة ؟؟ ..
لو أخذنا الروس مثالا حصريا ، فإن الإجابة هي بالتأكيد لا ، لأن هذا التغيير يتم تحت سمعهم وبصرهم وتحت قصف طائراتهم ، وسبق وأعلنوها رسميا بأنهم سيرفضون أي حكم سني في سوريا ، ولكن الروس يدركون بأن التغيير في سوريا ليس مجرد تغيير مذاهب أو تحشيد " رديدة " شيعة في المساجد والحسينيات المزركشة التي باتت في كل ركن من أركان هذا البلد ، بل في كون هذا الشكل من الإحلال يتخذ طابعا عقائديا غير موال أصلا للأرثوذكسية ولا للمسيحية عموما وإن التقت المصالح في بعض المحطات ، ومن أجل ذلك ، يعي الروس بأن أكثرية شيعية مهيمنة في سوريا ، تعتقد بالولي الفقيه " خامنئي " خليفة للمهدي المنتظر ، ،ستكون سيفا مصلتا على رقابهم هم أنفسهم في قواعدهم وفي أماكن تواجدهم ، لأننا لا نتحدث - عندها - عن دولة تستضيف قواعد روسية ، بقدر من نتحدث عن ملايين من البشر المتعصبين الذين لا يعترفون بالآخر ، والإبادة الجماعية في العراق على أيدي الحشد الإيراني مثال صارخ ، وما يجري الآن من توافق ليس سوى نتيجة للتقية الإثني عشرية التي يجيدها هؤلاء ويلعبونها بكل خبث حتى يستتب لهم الأمر ، وعندها لن تتمكن لا روسيا ولا غيرها من الصمود أو حتى البقاء ، لتظل في النهاية أساطيل إيران البحرية ، هي التي تذرع المتوسط جيئة وذهابا ، خاصة إذا عززت هذه القوة بقدرات نووية وصواريخ عابرة إيرانية يراد إحباطها أمريكا وإسرائليا الآن لنفس السبب ، ومن هنا يكمن الصمت والرضا الروسي عما يراد أن يفعل بالنفوذ الإيراني في الشام ، ومن أجل ذلك ، فإن مواصلة ضرب إسرائيل لقواعد إيران يفرح الروس وإن كان يحرجهم ، وساذج من يعتقد بغير ذلك .
يدرك الروس بأن التخلص من الهيمنة الأيرانية لن يتم بأيديهم في الظروف الراهنة ، بل بأيدي الأمريكيين والأسرائيليين ، ومن هنا يكمن سبب الصمت الروسي الذي لا يظهر في العلن ، ولسوف يظهر في المدى المنظور ، وإن غدا لناظره قريب !.
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews