عن الإتفاق النووي والرد الإيراني وتهديد ليبرمان بقصف طهران
انتظرت إسرائيل لأكثر من أسبوع قبل أن ترد على التهديد الإيراني بعد قصف مطار التيفور وقتل ضباط الحرس الثوري السبعة .
فلقد تناوب القادة الأيرانيون على إطلاق تصريحات التهديد بالرد المؤكد على القصف الإسرائيلي طوال الأيام السالفة ، قبل أن يتحدث ليبرمان بصراحة عبر موقع إيلاف أن إسرائيل ستقصف طهران إن قامت هذه الأخيرة بضرب تل أبيب .
غير أن البهجة التي تلقتها ، أو بالأحرى ، تلقفتها بعض وسائل الإعلام العربية ، إما فرحا بالرد الإيراني الموعود ، أو الرد الإسرائيلي بقصف طهران ، سرعان ما انطفأ بعد أن أطلق رئيس الأركان الأيراني اللواء محمد باقري تصريحا يرد فيه على ليبرمان قال فيه : إن الشعب الإيراني سيصمد أمام الضغوط والتهديدات التي لن تخيف إيران ، أي أن إيران بدأت تتحدث عن الصمود بدل الهجوم ، وقبله بساعات ، كان مسؤول إيراني آخر يصرح بأن الأهداف الإسرائيلية مكشوفة ومحددة بعكس الأهداف الإيرانية ، وهو بذلك يريد أن يقول للإسرائيليين بأنكم إذا قصفتم إيران فإن ضربتكم ستكون مشتتة بفعل مساحة إيران وعمقها الجغرافي بعكس الكيان العبري المكشوف والمحصورة مواقعه الإستراتيجية والحيوية ، وما سقناه آنفا يعكسه أيضا إحجام إيران عن رفع شعار " الموت لأمريكا " أو الهتاف بهذا الشعار في الفعاليات الشعبية المختلفة ، مع انه شعار مكتوب على رايات الحوثيين الذين يتلقون في هذه الأيام انكسارات وخسائر كبيرة ، وهي ملاحظة قالها ترامب نفسه : " إن الإيرانيين لم يهتفوا بشعار الموت لأمريكا وأنا رئيس ، بل كانوا يفعلون ذلك في عهد أوباما " .
أي أننا بدأنا نقرأ تخفيضا للتوتر بطريقة ما ، دون أن يعني هذا بأن الإيرانيين لن يردوا ولكن ليس في تل أبيب .
والذي يجعلنا نقول هذا الكلام ، هو أن ليبرمان أشار إلى أن تل أبيب تنعم بالسياح والمستثمرين والحركة ، وإنه يتمنى للجميع أن تنعم عواصمهم بذلك ، وهي إشارة تخفيفية لحدة التوتر ، أو رسالة أراد إيصالها للإيرانيين الذين ردوا بأحسن منها ولكن بطريقتهم ، على لسان رئيس الأركان الأيراني الذي قلنا إنه تحدث عن الصمود .
هل ستقع حرب إيرانية - إسرائيلية مباشرة كما روج كتاب ومحللون ومراقبون ؟؟ ..
بالتأكيد لا ..
فقط ، قد تحدث عملية هنا وأخرى هناك ولكن الأمر لن يصل إلى المواجهة المباشرة أو قصف تل أبيب ، وأيضا ، فإن الحرب المباشرة مستبعدة لأن إسرائيل لن تفعل شيئا في معزل عن الولايات المتحدة ، والمؤشرات حتى الآن تقول إن العسكر الأمريكيين لا يرغبون في مواجهة مفتوحة مع الإيرانيين لا في العراق ولا في سوريا ولا في أي مكان .
وإذا كان الأوروبيون غيروا موقفهم من الإتفاق النووي معتبرينه غير كاف كما قال ماكرون في البيت الأبيض ، وكما قالت ميركل في نفس المكان، فإن هذا له مدلولات مهمة ، تكشف بأن الأوروبيين الذين كانوا يعارضون المس بالإتفاق قد انحرفوا بموقفهم باتجاه الرؤية الأمريكية ، التي يعتقد بأنها ستضيف ملحقا على الإتفاق يشمل الصواريخ الباليستية وإلغاء التاريخ المحدد لانتهاء الإتفاق في العام 2025 ، وهو موعد الفترة التي تعلق فيها إيران تخصيب اليورانيوم ، ولقد ضمن الأوروبيون بموقفهم المتحول بأن التوتر لن يصل إلى صدام مباشر بعد أن اقنعوا ترامب بالملحق إن قبل به عمليا .
وقراءة متعمقة في الوضع الأيراني الراهن فإنه ينبئ بأن هذا البلد ليس بخير ، وإنه يعاني من مصاعب اقتصادية " هبوط الريال " ومصاعب اجتماعية " غضب شعبي عارم تم إخماده بالحديد النار " وفساد وإدمان وأمراض ومشردين ومعارضة من داخل البيت باستثناء الحرس الموالي للمرشد لأسباب مصلحية ( الحرس يسيطر على مفاصل الإقتصاد الأيراني ) ولهذه الأسباب وغيرها فإن إيران آخر من يبحث عن صدام مع الولايات المتحدة أو الغرب أو إسرائيل في هذه الظروف ، ومن المتوقع أن يحاول الإيرانيون في الفترة المقبلة امتصاص الصدمات الجديدة في مواقف أوروبا ، بل إن القراءات تقول : إنهم ، وحتى لو انسحبوا من الإتفاق النووي ، فإنهم سيكونون في وضع صعب جدا ، حيث سيواجهون عالما متحدا ضدهم تقوده ولايات متحدة برئيس لا يمكن لأحد التنبؤ بأفعاله ، ناهيك عن أن ترامب مرتاح جدا بخصوص ملف التواطؤ مع الغرب بعد تقرير الكونجرس الذي برأ ساحة حملته الإنتخابية ، وأيضا بعد زيارة رئيس كوريا الشمالية للجنوبية واقتراب موعد اجتماعه مع الزعيم الشمالي ، أي ان إيران وحدها الآن في المرمى ، دون أن ننسى بأن ترامب هذا هو نفسه الذي أعلن عشية القصف الأخير على مرافق النظام السوري " بأن التفاهم مع الأيرانيين ممكن " ..
لن تجرؤ إيران الضعيفة على قصف تل ابيب ومرشدها يستنجد بمسلمي العالم لنصرته كما حدث مؤخرا ، ولن تفعلها إسرائيل وتقصف طهران ، ولقد سبق وقلنا بأن الخلاف بين الطرفين ليس وجوديا بقدر ما هو تنافس على ابتلاع بلاد العرب وثرواتهم ومستقبلهم ، وكل ما نسمعه عن غير ذلك ليس سوى جعجعات إسرائيلية إيرانية أمريكية فارغة وعربية صدئة سئمتها شعوب العالم ، فما بالكم بشعوب العالم .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews