مسيرات العودة ويوم الأرض والإنقسام ومزابل التاريخ

يحيي الفلسطينيون هذه الأيام ذكريات وطنية بدأت بيوم الأرض في الثلاثين من آذار من كل عام ،حيث خرج ملايين الفلسطينيين الجمعة وما تلاها في مسيرات حاشدة أطلقوا عليها " مسيرات العودة" وسقط خلالها عشرات الشهداء ومئات الجرحى ، مع أن مسيرات العودة تنظم في العادة بذكرى النكبة ، أي في الخامس عشر من مايو من كل عام ( منتصف الشهر القادم ) ولكن هذه المسيرات التي سبقت الذكرى الأليمة جاءت لتقول لإسرائيل والعالم : إن تصفية القضية الفلسطينية هدف لن يتحقق وإن الفلسطينيين الذي خرجوا من مدنهم وقراهم تحت سنابك المؤامرات وعصابات الهاجاناة والقتل والذبح وباتوا الآن إما في القبور أو أرذل العمر سلموا الراية لأبنائهم وأحفادهم ، وهؤلاء الأبناء والأحفاد ، هم الذين رأيناهم سيولا بشرية تتدفق على الحدود المصطنعة مع الكيان ، لتلقي الرعب في قلوب الغزاة ووزير دفاعهم الرعديد الذي قضى سحابة الجمعة قبالة غزة ، ونعق ولأول مرة باللغة العربية على تويتر بأنه لن يسمح بتجاوز الأسلاك الشائكة .

جيش ضعيف وكيان هزيل يخاف من المدنيين العزل ومن هتافاتهم الوطنية التي تطالب بحقهم التاريخي في العودة إلى بيوتهم وأراضيهم وقراهم ومدنهم ، فوظف كل ما يستطيع لإحباط المسيرات المليونية ، وبطرق بدائية مضحكة وصلت إلى حد الإستعانة بفتاوى تحرم المسيرات ، كما فعلها أفيخاي أدرعي ، الناطق باسم جيش الكيان ، وتارة من خلال نعيب ليبرمان ، وثالثة من خلال نشر القناصين وإعلان المكان والسياج مناطق عسكرية مغلقة، ورابعة من خلال تثبيط العزائم والعزف على وتر حساس يتعلق باستبدال الرئاسة الفلسطينية بغيرها ، وما إلى هنالك من أساليب أوصت بها دوائر الحرب النفسية في هذا الجيش الجبان .

هذا الخوف والرعب الذي يعيشه الكيان لم يجد للأسف من يحسن استغلاله في فعل يقض مضاجع إسرائيل ويضربها في مأمن ، حيث رأينا مناطق تشتعل بالغضب وأخرى على استحياء رغم كل ما يحاك للقضية من مؤامرات ، ومن دون أن يخجل قادة السلطة والفصائل وقادة حماس وغيرهم وينهوا الإنقسام الذي يتغذى عليه الكيان ، فبدا المشهد في إطاره العام موحدا ، ولكن في حقيقته متفرقا ومشرذما ويندى له الجبين .

لم تبدأ المأساة الفلسطينية مع انتهاء الحرب العالمية الأولى ، واتفاق البريطانيين والفرنسيين على تقاسم التركة العثمانية ، ولم تبدأ منذ إعلان الإنتداب البريطاني على فلسطين في العام 1920 ولغاية إنهائه في تشرين ثاني من العام 1947 ، يوم التقسيم ، ولا منذ إطلاق آرثر جيمس بلفور لوعده المشؤوم في الثاني من تشرين ثاني أيضا عام 1017 ، بل إن مشروع إنشاء الكيان المجرم على أرض فلسطين بدأ في المؤتمر الصهيوني الأول في بازل عام 1897 ، أي أن ما تم التخطيط له في ذلك العام ترجم في العام 1948 كيانا ىسياسيا معترفا به على أرض الفلسطينيين وجثثهم ودمائهم ، وبتواطؤ العالم أجمع ، وهذه محطات لا بد من تأريخها وإيرادها عند أي حديث عن فلسطين .

حقيق على الفلسطينيين الذين طالما تعرضوا لمؤامرات كونية أن يفيقوا من سباتهم وأن لا يكتفوا بسقوط الشهداء والجرحى مجانا وأمام وسائل الإعلام ، بل العمل جديا على وحدة الصف الفلسطيني الذي بدونه لا نصر ولا عودة ولا تحرير ، ومن أجل ذلك فإن الإنقسام هو الهدف الأول الذي يجب وأده ، وبدونهذا ستحل ذكرى النكبة ونحن - مرة أخرى - أمام نكبة داخلية قللت هيبة القضية ووضعتها على أجندة مشاريع تحيكها قوى عالمية طاغية : ففي الخامس عشر من الشهر القادم ، ذكرى النكبة " سيخرج الفلسطينيون بالملايين ، ومتى ؟؟ في نفس اليوم الذي ستنقل فيه الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس !!.

لقد آن للفلسطينيين بجميع توجهاتهم أن يعترفوا بأن الإنقسام في ظل كل هذه التطورات هو الخطر وهو العار والشنار ، وليس فقط احتلال فلسطين وتقسيمها .

ستبقى القضية بشعبها الحي المرابط حتى التحرير والعودة ، أما الفصائل التي ترفض إنهاء الإنقسام ، فإنها ستكون - شاءت أم أبت - بمثابة من يخدم المشروع الصهيوني ولن يصدق أحد بعد اليوم وطنيتها ، وستذهب مع قادتها - أيا كانوا - إلى مزابل التاريخ .

د.فطين البداد