لوبان: الخيل والليل والجزائر تعرفني!
رغم أن مؤسس حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف جان ـ ماري لوبان من الشخصيات المنبوذة لدى النخبة في فرنسا وأنه عادة ما ينعت بالفاشي، فإن مذكراته، التي صدر الجزء الأول منها منتصف الشهر الماضي، قد حظيت بالاهتمام. ذلك أنها تثير قضايا لا تزال حساسة لدى كثير من الفرنسيين. ويجدر التذكير بأن لوبان رجل متعصب لأسطورة «الجزائر الفرنسية»، حيث يؤمن صادق الإيمان بأن فرنسيّي الجزائر (أي المستعمرين المعروفين باسم «الأقدام السوداء») هم أصحاب الحق، بعكس «إرهابيّي جبهة التحرير»، وأن الجنرال ديغول طعنهم في الظهر عندما قبل بالاستقلال. ولهذا فهو يعتقد أن ديغول خائن للقضية الوطنية (!)، بينما يعدّ نفسه مثالا للشجاعة والشرف والفروسية!
ومعروف أن لوبان غير محبّ للعرب ولا لليهود، ولكن لم يحدث له أن مقت شخصا بمثل مقته لديغول. وقد أصاب المؤرخ أريك روسل بقوله إن لوبان ينتمي إلى جيل اليمينيين المتطرفين الذين توقف برنامجهم الكومبيوتري (سوفتوار) عند حد عام 1950. يضاف إلى ذلك أنه من جنود الجيش الفرنسي الذي تشكّل وعيه في خضم محنة الهزيمة التي تكبدها في حرب استقلال الهند الصينية أوائل الخمسينيات.
اللافت في ما يرويه لوبان عن حياته العسكرية أنه غالبا ما يصل متخلفا عن الحدث. هكذا ما أن وصل إلى الهند الصينية حتى انتهت الحرب. كما أنه لم يشارك مشاركة فعالة في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ويقول إنه وجد عند وصوله كثيرا من جثث الجنود والمدنيين المصريين الذين قضوا جراء الهجوم الإسرائيلي. كانت الجثث منتشرة تحت الشمس الحارقة، فكلّف هو وفرقته بحفر مدافن جماعية. ويقول إن معرفته بطريقة الدفن الإسلامية قد جعلته حريصا على أن يدفن جميع القتلى المصريين حسب الأصول. ويروي أن بعض الجنود كانوا يريدون أن يعيثوا فسادا في أكواخ الصيادين المصريين، «ولكني تدخلت لمنعهم من البدء في عملية نهب حمقاء، حيث أن هؤلاء الناس كانوا في حالة فقر مدقع». ويزعم أن مسلكه هذا أكسبه «بعض التقدير لدى المسلمين».
أما بالنسبة للجزائر، فليس عند لوبان تلتمس المصداقية! حيث يقول عن المذبحة التي ارتكبها الجيش الفرنسي في مدينة سطيف بداية من يوم 8 أيار/مايو 1945، والتي راح ضحيتها ما بين 12 ألف و15ألف مدني جزائري، إن ضحاياها لا يتجاوزون 1200 قتيل «بين المسلمين». كما يقدّر عدد ضحايا معركة الجزائر العاصمة في خريف1957 بألف قتيل جزائري، بينما كان العدد الفعلي يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف. ويعتبر لوبان أن هذه كانت حصيلة إيجابية استثنائية، نظرا إلى أن الجيش الفرنسي تمكن من «استئصال النشاط الإرهابي من العاصمة». أما عمليات التعذيب، فإنه ينفي أن يكون شارك فيها، قائلا إنه كان ضابط استخبارات. ولكنه يجدد ما كان أعلنه قبلا من تأييده التام للتعذيب منذ تصريحه لجريدة «كومبا» في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 1962 : «ليس لدي ما أخفيه. لقد مارسنا التعذيب في الجزائر لأنه لم يكن منه بدّ». ويشرح القضية بتقديم تعريف تكنوقراطي للتعذيب باعتباره وسيلة ضرورية لانتزاع معلومات تمنع ارتكاب أعمال إرهابية. ولكن المعروف أن الجنرال أوساريس كان قد أكد قبل أعوام أن لوبان كان نشيطا في عمليات التعذيب التي كانت تُمارس ضد الجزائريين في فيلاّ سيسيني، وأنه قد شاهده هنالك في ليلة 16 إلى 17 كانون الثاني/يناير 1957.
من مفاجآت لوبان: أنه شغوف بالشعر، وخصوصا بالشاعر روبر برازياك الذي أعدم لتعاونه مع الاحتلال النازي (حيث يقول إنه مواظب على قراءة ديوانه، ومختاراته من الشعر الإغريقي الكلاسيكي)، وأنه كان من أصدقاء الشاعر والمطرب مولودجي. الثانية أنه يشيد بالمطربة الشهيرة جولييت غريكو لأنها رفضت التوقيع على «بيان الـ121» الذي وزعه سارتر وسيمون ديبوفوار(اللذان ينعتهما لوبان بأنهما بيدقان) لتحريض الشباب على رفض خدمة العلم في الجزائر.
أما الثالثة فهو أن الرئيس روني كوتي طلب مقابلته مع زميل له أوائل 1958 في قصر الاليزيه، وأنه ابتدرهما بالسؤال: لماذا ينادي الناس (يقصد المستعمرين الفرنسيين) في الجزائر: كوتي إلى المشنقة؟ أجابه لوبان: لأنكم تصدرون يا فخامة الرئيس قرارات بالعفو عن قتلة جبهة التحرير الجزائرية. قال كوتي شارحا: لا أريد أن ألطخ يديّ بالدماء، فإذا بلوبان يردّ بوقاحة صادمة: إذن لماذا لا تبيعون الطماطم؟ إنها مهنة لا تنطوي على مثل هذا الخطر.
القدس العربي 2018-03-17
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews