نقل السفارة إلى القدس… يد تغسل يدا

جي بي سي نيوز :- قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ومنح إسرائيل هدية عيد ميلادها السبعين يقضي على قدرة الولايات المتحدة على أن تكون وسيطا نزيها في النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني: فالقطيعة بين واشنطن ورام الله عميقة مثلما لم تكن في أي وقت مضى، والعالم العربي، وإن كان لا يستلقي على الجدار من أجل الفلسطينيين، فإنه يرى في الولايات المتحدة راعية للمصلحة الإسرائيلية، قوة عظمى فقدت قدرتها على ان تكون زعيمة العالم. أما «صفقة القرن» ـ السلام بين إسرائيل والفلسطينيين والمصالحة العامة بين إسرائيل والدول العربية ـ فلن تكون.
صحيح أن السفارة لن تنقل حقا إلى القدس في أيار، بل ستعد منشأة مكاتب للسفير وفريقه المقلص، ولكن هذه الرمزية هي رتبة كبيرة لإسرائيل و«فقأة عين» لكل العالم. وهذا سيئ لإسرائيل. القدس هي عاصمة إسرائيل حتى بدون أن يقام مكتب للسفير. القدس الموحدة هي أيضا الموضوع الأكثر تفجرا بين الطرفين، اللذين ليس صدفة قررا على مدى عشرات السنين أن يبقياه حتى نهاية المباحثات.
القدس ليست مجرد عاصمة «فنية» بل مدينة تاريخية تثير الهواجس، مدينة تحت وفوق، مدينة روح وقدسية وخلاف سياسي شديد. بقدم فظة قرر ترامب أن يضرب بالقدس أولا، وهذه ضربة نهائية لكل تسوية في المستقبل. ترامب على ما يبدو هو الىخر يفهم ذلك، ولكن هذا ليس موجها نحو العالم بل نحو قاعدته السياسية ـ الانجيليين ورجال اليمين الذين يرون في نقل السفارة إغلاق دائرة وبرهان على أنه بالفعل الرجل الذي سيصلح بعد أوباما. ولكن ليس القدس في رأس فرحة ترامب بل الانتخابات المقتربة للكونغرس: من ناحيته هذا يعني المزيد من الأصوات للمتنافسين الجمهوريين.
في الأسبوع القادم سيلتقي ترامب ونتنياهو في واشنطن. وستكون هذه مسرحية ود متبادلة وثناءات حلوة: فليس ترامب فقط يغمز لقاعدته السياسية في موضوع القدس، بل أساسا نتنياهو الذي تلقى الآن هدية أغلى من الذهب. والآن يمكنه ان يلوح بقوة أكبر لناخبيه: أنا فقط الزعيم الذي جلب لإسرائيل مثل هذا الإنجاز السياسي، وكل التحقيقات هي خروج عن الأمر الأساس. في هذا الوقت ليس لديكم سياسي أفضل مني.
لم يسبق في الماضي أن كان وضع بدا فيه رئيس وزراء غسرائيلي ورئيس أمريكي في ذات النقطة الزمنية مثل التوأمين السياميين: ترامب غارق في تحقيقات روسيا غيت حتى الرقبة، حين يكون الشهود الملكيين ضده يزدادون وطوق الشبهات يشتد بقوة حول رقبته، مثلما ضد نتنياهو إلى مكاتب لاهف 433. وفقط في نهاية الأسبوع وقع المستشار السابق غيتس على اتفاق مع المباحث ومن أجل إنقاذ جلدته سيشهد على ما حصل في المقر الانتخابي لترامب، وضد رئيس المقر السابق لحملة بول منبورت رفعت لائحة اتهام أخرى وفيها عشرات البنود إذا ما أدين بها فبانتظاره سنوات طويلة في السجن. ويحاول المحققون جعله شاهدا ملكيا ايضا.
ترامب ونتنياهو ينظران إلى المخالفات ومظاهر الفساد بذات الشكل المستخف وذات الكلمات: صيد ساحرات، إعلان معاد. كلاهما ليسا أوزتين عرجاوين، حسب التعريف، لأن زمنهما في الحكم ليس محدودا: نتنياهو لا يحلم بالاستقالة او الخروج إلى التبطل، ولا ترامب ايضا. ولكن كلاهما بالتأكيد يبدوان مثل أوزتين على خيط، تترنحان مع رياح التحقيق. كل واحد وتحقيقاته هو، واذا لم تهزمهما كتلة الشبهات فإنهما يخططان لنفسيهما ولاية اخرى.
ترامب أقل ذكاء بكثير من نتنياهو، وسوقي أكثر منه بأضعاف، وبالأساس جاهل ومن الرعاع، ولكن في هذا الوقت يبدوان كزعيمين توأمين: من ناحيتهما التحقيقات التي يغرقان فيها حتى الرقبة تنبع من الحسد، الحسابات السياسية وعدم فهم المحققين ومبعوثيهم بأنهما زعيمين محبوبين، هدية الرب للأمة. كلاهما مضطهدان بذات القدر، وفي المسرحية المشتركة لهما في واشنطن سيحاول كل منهما ان يستخلص أقصى قدر لاحتياجاته السياسية والشخصية. يد تغسل يدا. بالغمز.

يديعوت  2018-02-26