Date : 26,04,2024, Time : 02:42:44 PM
4319 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الاثنين 10 جمادي الآخر 1439هـ - 26 فبراير 2018م 12:34 ص

السياسة والاقتصاد في السودان

السياسة والاقتصاد في السودان
الشفيع خضر سعيد

تستطيع مفصلة العلاقة بين الاقتصاد والسياسة أن تسقط الصين من سورها العظيم، أو إعلاء النيوليبرالية السياسية والاقتصادية، كما تصدح بها أمريكا، على حساب شعوب العالم النامي التي تتلظى بنيران الفقر والبؤس، فتزداد وهنا على وهن. صحيح أن العالم يعج بالكثير من الأطروحات والنظريات الاقتصادية التي تزعم بقدرتها على النهوض بالبلاد وانتشالها من بؤر التخلف. لكن أي محاولة للتغيير الاجتماعي لا تقوم على إعطاء الأولوية لرفع المستوى المعيشي للفرد، والاستجابة لاحتياجاته الأساسية، المادية والروحية، لا في حدها الأدنى فقط، وإنما في اتجاه سقفها الأعلى، لن تقوى على الصمود. والكثير من الأطروحات الحديثة حول التنمية تحاول الترويج لاقتصاد السوق، وتفترض، أو تدعي، أن اقتصاد السوق الحر هو الحل السحري لإخراج شعوبنا من وهدة الفقر والمعاناة. ولكن تجربة أكثر من بلد، وفي مقدمتها التجربة الراهنة التي نعيشها في السودان، أثبتت ضحالة النظرة وخبث التصور. في المقابل نستطيع أن نرى دولا شبت عن طوق التبعية واستجداء المعونة، مثلما تمردت على روشتات صندوق النقد الدولي، وتبنت ما يعرف بنموذج الدولة التنموية، كما في حالة النمور الآسيوية وبعض البلدان في أفريقيا وأمريكا الجنوبية واللاتينية.
إن مبتدأ مقاومة الانهيار الاقتصادي في السودان هو فعل سياسي ثلاثي، بمثابة مثلث متساوي الأضلاع، ضلعه الأول هو إعادة النظر في شخوص ومناهج وآليات إدارة العمل السياسي في البلاد، بحيث يتم تخليص وإنقاذ جهاز الدولة المختطف بواسطة حزب المؤتمر الوطني، ووقف التدهور المريع الذي ينخر في عظام الخدمة المدنية، بإلغاء سياسات التمكين والموالاة وحزبية مؤسسات الدولة، كما يتم تحقيق التحول الديمقراطي بكل تفاصيله، وإرساء مبادئ الحكم الراشد وتسييد دولة حكم القانون، ووقف الصرف المبالغ فيه على أجهزة حماية التسلط، والذي يأتي على حساب تخفيف أعباء المعيشة على المواطن، والتصدي الحازم لكل أشكال الفساد وإهدار المال العام المسيطرة تماما، وسوء التصرف في موارد الدولة وثروات البلاد الطبيعية، بما في ذلك استعادة مليارات الدولارات من عائد صادرات البترول والذهب، والتي بدلا من ذهابها إلى تفجير مشاريع تنموية في البلد، اختفت، هكذا وبكل بساطة.
والضلع الثاني هو وقف الحرب الأهلية في البلاد، والتوافق على مشروع سياسي اجتماعي قومي يحقق السلام ويوطده. أما الضلع الثالث فهو تنفيذ برنامج اقتصادي إسعافي لفك الضائقة المعيشية الخانقة والمستفحلة في البلاد، ثم تبني رؤية تنموية، هدفها وغايتها جماهير الغلابة في الريف والحضر، وتنطلق من مبدأ خلق التوازن الضروري ما بين الكفاءة والعدالة الاجتماعية، في اتجاه تحقيق التوزيع العادل للثروة، وإزالة الأسس الاقتصادية والاجتماعية للتهميش، كما تنطلق من التعامل مع الزراعة والقطاع الحيواني في البلاد كأولوية قصوى. نشير هنا إلى أن الإنفاق على الزراعة في ظل نظام الإنقاذ، وفق موازنة العام الحالي، لا يتعدى 2.2 من الإنفاق العام، وذلك في أغنى بلاد الله بالموارد الرخيصة المغذية للإنتاج الزراعي كالمياه والأراضي الخصبة الشاسعة. 
ومن الواضح أن إنقاذ الاقتصاد السوداني من الانهيار الوشيك، كتوطئة لتحقيق أي مشروع تنموي نهضوي في البلاد، من المستحيل أن يتم تحت قيادة الفئات الطفيلية التي تدير حاليا اقتصاد البلاد، والتي أصلا راكمت رساميلها من موارد البلاد مستخدمة جهاز الدولة، وظلت تعيد مراكمة أرباحها، لا من أجل المزيد من الإنتاج، بل لممارسة مختلف أنواع السلوك الطفيلي والتفاخري، الممتد من تعدد العمارات إلى تعدد وتغيير الزوجات..!
أما مظاهر ونتائج الاختناق الاقتصادي في السودان، تحت قيادة هذه الشرائح والفئات الطفيلية، فواضحة للجميع، يحسها الفرد في عظمه وفي حراكه اليومي لقضاء أبسط حوائجه، وتبصم عليها هجرة السواعد والعقول خارج البلاد، زرافات ووحدانا، ويدق على رأسها ناقوس الحرب الأهلية التي استوطنت البلاد، ونذر تفاقمها المتزايدة، وفي مناطق جديدة. 
ورغم وضوح تفاصيل مظاهر وتجليات الأزمة في البلاد، والتي قد يقول قائل إن علاجها سهل وبسيط، ويكمن في ابتداع برامج بديلة مستوحاة من وحي الشعارات العامة التي تطرحها مجموعات التغيير المختلفة، تعمل على تفادي تكرار مسببات الأزمة، إلا أن القوى المتطلعة لإحداث تغيير حقيقي في البلاد، ولصالح المواطن، تحتاج إلى إدارة حوار عميق بهدف البحث حول شكل ومحتوى البديل التنموي، ووضع تصورات واضحة لهذا البديل، بعيدا عن الشعارات العامة، بحيث لا يأخذ الاقتصاد حيزا أكبر على حساب السياسة، ولا تستأثر السياسة بكل الاهتمام. 
وإذا عملنا على خلق معادلة وموازنة تدفع بعجلة التنمية في الطريق الصحيح، فإن كثيرا من القضايا والمشكلات المعبر عنها سياسيا، ستجد حظها من الحلول الناجعة، فما السياسة إلا التعبير المكثف للاقتصاد، وفي النهاية العلاقة بينهما جدلية. 
وتكتسب مناقشة الوضع الاقتصادي في السودان أهمية قصوى، في ظل التعقيدات التي خلقتها العولمة وعمقتها ممارسات دولة الإنقاذ، والتي تدفع البلاد للدوران في فلك الاقتصاد العالمي دون معرفة ما ينوب البلاد، أو معرفته وتجاهله لصالح المصلحة الخاصة بالشرائح الطفيلية، أو في ظل أطروحات مخاوف الانعزال ومخاطر سياسة المحاور. وهنا، لا بد من الاعتراف بأن القوى السياسية السودانية، والتي قلبها حقا على الوطن، والمؤمنة بالتعددية والديمقراطية، وعلى اختلاف مشاربها ومنطلقاتها الفكرية، درجت على إفراد حيز معتبر، ولو على الصعيد النظري فقط وقبل التجربة العملية، للقضايا الاقتصادية ومحاولة مخاطبتها بنظرة قومية، بهدف التوافق حول الوصفة الأفضل لإنقاذ الاقتصاد السوداني، وخاصة عقب الملمات الكبرى مثلما حدث بانعقاد المؤتمر الاقتصادي القومي عقب انتفاضة ابريل/نيسان 1985، أو بالنص عليه في الاتفاقات الموقعة مع نظام الإنقاذ، أو بالدعوة لعقد مثل هذا المؤتمر كما تطرح حاليا الأحزاب والقوى المكونة لتحالفات المعارضة. وهذه النظرة القومية لمعالجة القضايا الاقتصادية في البلاد، مؤشر جيد في الإطار العام لمعالجة قضايا المشاركة العادلة في السلطة، والتقسيم العادل للثروة والموارد.

القدس العربي  2018-02-26




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد