ضمانات مطلوبة لإعادة إعمار العراق
تعتبر مسألة إعمار العراق قديمة نسبياً، وقد يتذكر كثرٌ أن هذه المسألة طرحت منذ نهاية الحرب العراقية- الإيرانية التي دمرت أجزاء كثيرة من البلدين. لكن طبيعة النظام الديكتاتوري في العراق، آنذاك، وعدم محاولة التعلم من الدروس والعمل للسلم والاستقرار. ثم أدى القيام بعملية غزو واحتلال الكويت إلى مزيد من التدمير في العراق وعطل الحياة، خصوصاً بعد تحرير الكويت عام 1991 ثم فرض عقوبات وحصار على العراق بسبب البرنامج النووي والكيماوي الذي اتهم نظام صدام حسين بانتهاجه. لكن بعد إسقاط ذلك النظام ومحاولة إقامة نظام سياسي مختلف يعتمد على آليات الديموقراطية والتعددية والفيديرالية، لم يتحول العراق إلى بلد ينعم بالاستقرار والتنمية الاقتصادية الواعدة، بل عانى البلد من تدهور البنية التحتية والمرافق الحيوية وانتشار الفساد، على رغم تحسن إنتاج النفط وإرتفاع مستوياته إلى ما يزيد في الوقت الراهن على 4 ملايين برميل يومياً. يضاف إلى ذلك أن تنامي التطرف والإستقطاب الطائفي دفع البلاد إلى أتون الإرهاب والحرب الأهلية وسيطرة قوى متطرفة على مساحات من البلاد على أثر سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية « داعش» على الموصل وعدد من المدن والبلدات منذ منتصف عام 2014 وحتى نهاية عام 2017.
الآن، وبعد تحرير البلد من تلك القوى الإرهابية، هل يمكن تحقيق الإعمار والتنمية بموجب معايير موضوعية وبما يعزز إنعاش الحياة الإقتصادية في مختلف محافظات العراق؟
عقد في الكويت مؤتمر إعمار العراق خلال الفترة من 12 إلى 14 شباط (فبراير)، وطرح العراقيون على الحاضرين القادمين من أكثر من 70 بلداً والممثلين لأكثر من 1850 شركة خاصة والعاملين في منظمات أممية مختلفة، طرحوا حجم الدمار الذي جرى لديهم والخسائر المادية والتي قدرت بـ45 بليون دولار. كما أشاروا إلى أنهم في حاجة إلى ما يزيد على 88 بليون دولار لإنجاز عملية الإعمار المنشودة.
بطبيعة الحال لن يكون الأمر يسيراً على الكثير من المؤسسات المالية الدولية أو الشركات الخاصة توفير هذا المبلغ أو توظيفه في مشاريع متنوعة في العراق. وغني عن البيان أن المشاريع ستشمل إصلاح البنية التحتية ومرافق الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وأنظمة الرعاية الصحية ومؤسسات التعليم. ويتطلب عدد من المشاريع قروضاً ميسرة أو منحاً يمكن الحكومة العراقية إنجازها، كما أن عدداً آخر من المشاريع يتطلب أن تقوم الحكومة العراقية برصد أموال من الخزينة العامة الممولة، بشكل كبير بإيرادات النفط، لمواجهة متطلبات تنفيذها.
لا شك في أن على العراقيين إثبات جدارتهم بإصلاح النظام المؤسسي، وتوفير القوانين والأنظمة الناجعة التي تعزز ثقة المستثمرين والجهات الممولة أو المانحة، بما يمكن من توظيف الأموال بأساليب تعزز الثقة وتؤكد إتباع آليات تمنع التكسب غير المشروع ومظاهر الفساد السياسي والإداري.
يشير عدد من المتخصصين إلى أن النظام السياسي الذي حل بعد سقوط نظام صدام حسين، عانى من مظاهر فساد طاغية أتت على البلايين من الأموال العامة وعطلت عمليات الاستـــثمار التي أقدمت عليها مؤسسات أجنبية، ومنها شــركات خليجية.
وتحاول الحكومة العراقية أن تؤكد اهتمامها بمحاربة الفساد والعمل بشفافية من أجل جذب المستثمرين والحصول على تمويلات وكسب ثقة النظام المصرفي العالمي، ولكن تجب بداية اختبار هذه الإلتزامات الحكومية ومدى استيعابها من المجتمع السياسي العراقي، إذ إن هناك انتخابات تشريعية مقبلة في أيار (مايو).
ومهما يكن من أمر فإن مؤتمر الكويت قد تمكن من الحصول على تعهدات من دول ومنظمات بقيمة 30 بليون دولار، وهو مبلغ أقل مما تطمح له الإدارة العراقية، ولكن هذا المبلغ لن يتم توظيفه في العراق من دون أن تتوافر ضمانات وأنظمة مقنعة لمن تعهدوا بتوفيره.
الحياة 2018-02-22
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews