رهان عفرين بين تركيا والأسد أم بين روسيا وأمريكا؟
جي بي سي نيوز :- الاعتراف بأنه لم يبق لهم سند حقيقي يساعدهم في نضالهم ضد القوات التركية التي غزت في كانون الثاني الماضي منطقة عفرين في شمال سوريا، سيجبر الأكراد في سوريا كما يبدو على التراجع خطوة إلى الوراء ومعانقة الجيش السوري. أصبحت قوات الجيش والمليشيات السورية العاملة إلى جانب النظام، مستعدة للدخول إلى منطقة عفرين، وحتى المدينة نفسها من أجل أن تعيد للنظام السيطرة على المنطقة، وبناء سور دفاعي ضد القوات التركية، وبعد ذلك توسيع سيطرة الأسد على باقي المناطق الكردية في شمال الدولة. نفت قيادة منطقة عفرين، وهي واحدة من ثلاثة مناطق كردية تتمتع بالحكم الذاتي، توصلها إلى أي اتفاق مع النظام، لكن على الأقل حسب تحركات جيش النظام والردود الضبابية للأكراد، فإن هذا (الاتفاق) سيكون العملية القادمة.
إذا سيطر النظام السوري حقا على المنطقة، وأقام مواقع عسكرية على طول الحدود مع تركيا، فسيكون هذا إنجازا مهما للأسد، وستكون له تداعيات كثيرة أيضا على العملية السياسية حول حل الأزمة السورية. أصبحت مشاركة الأكراد في العملية نقطة خلاف قابلة للانفجار؛ في البداية بين تركيا والولايات المتحدة، التي سارعت في عهد أوباما إلى التنازل عن ضم الأكراد للجان الدولية في جنيف. وبعد ذلك بين تركيا وروسيا، التي أظهرت تصميما أكبر عندما قررت دعوة الممثلين الأكراد إلى مؤتمر سوتشي الشهر الماضي.
إذا انتقلت المناطق الكردية إلى حكم نظام الأسد بموافقة الأكراد، يمكن التخمين بأنهم سينضمون كممثلين مؤيدين للنظام إلى العملية، وفي المقابل يمكنهم تحقيق جزء من تطلعاتهم السياسية. مثلا، خلافا لقيادة الأكراد في العراق، فإن الأكراد في سوريا لا يسعون لإقامة إقليم مستقل ومنفصل عن الدولة السورية، بل منطقة ذات حكم ذاتي تكون جزءا من فيدرالية سورية، وخاضعة للدستور السوري في المستقبل. لدى للأكراد في سوريا تاريخ طويل من العلاقة الدامية مع النظام السوري، لا سيما في عهد حافظ الأسد والد بشار. ولكن بالذات في سنوات التمرد الأخيرة، قرر النظام السوري عدم التصادم مع الأكراد. وفي المقابل حصل الأسد على الهدوء النسبي، بل وعلى التعاون. إذ امتنعت المليشيات الكردية التي تعتبرها تركيا منظمات إرهابية والمتشعبة عن حزب العمال الكردستاني برئاسة عبد الله أوجلان المسجون في تركيا، عن الانضمام إلى المليشيات المناهضة للنظام، ولم تكن مدنها تحت الحصار، وحصل الكثير من الأكراد على الجنسية السورية التي سحبت منهم في فترة حافظ الأسد.
تحول بشار الأسد إلى حليف يحتضن الأكراد. ولم يوضح بعد موقفه بالنسبة لطلباتهم، ولا يُعرف شيء عن التعهد الذي قطعه للأكراد بالاعتراف بالمناطق ذات الحكم الذاتي. ولكن في هذه الأثناء، يوجد لدى لأسد دافعان لمساعدة الأكراد ضد الأتراك. الأول والأهم ؛ تحقيق مطلب إبعاد القوات الأجنبية من سوريا. والثاني، إظهار الولايات المتحدة وكأنها غير قادرة حتى على مساعدة حلفائها الذين حاربوا بصورة مثيرة للانطباع ضد داعش.
مع ذلك، ليس هناك أي ضمانة لأن تغادر القوات التركية سوريا، إذا سيطر الأسد على المناطق الكردية. يوجد لدى تركيا مكانة متفق عليها، كواحدة من الراعيات لمناطق خفض التصعيد حسب الاتفاقات الموقعة بينها وبين روسيا وإيران. تمنح هذه المكانة تركيا صلاحية إقامة مواقع عسكرية في تلك المناطق، للإشراف منها على وقف إطلاق النار. تسعى تركيا أيضا إلى «تطهير» مناطق سورية أخرى من سيطرة الأكراد، أساسا مدينة منبج ومحيطها لمنع إقامة تواصل جغرافي كردي على طول الحدود. لكن هذه الطموحات من شأنها أن تواجه الآن موانع مزدوجة؛ سورية وروسية، التي بمجرد وجودها في المنطقة الكردية ستضع أمام تركيا معضلة خطيرة: مواصلة القتال ضد الأكراد في الأراضي السورية، والمخاطرة بمواجهة مباشرة مع القوات السورية، أو أن تترك للسوريين وروسيا السيطرة على طول الحدود مع تركيا.
أوضح وزير الخارجية التركي أمس أن تركيا لا تعارض دخول قوات سورية إلى عفرين، «إذا كان الهدف تطهير المنطقة من الإرهابيين (المليشيات الكردية)، لكنها ستواصل العمل في المنطقة إذا لم يكن هذا هو الهدف السوري». لأن دخول القوات السورية سيستند إلى موافقة وتنسيق مع الأكراد، علينا ألا نتوقع أن سوريا ستعمل ضد المليشيات الكردية.
في هذه الحالة فإن تركيا يمكن أن تجد نفسها فوق شجرة عالية جدا، حيث إن نشاط الجيش السوري في المنطقة الكردية، كما في كل مناطق سوريا، منسق ومدعوم من قبل روسيا. بالنسبة لروسيا، فان سيطرة سورية على المناطق الكردية بموافقة الأتراك هي الحل النهائي، سواء من أجل ترسيخ نظام الأسد في إحدى أهم مناطق سوريا أو من أجل شل الرافعة التركية التي تستخدمها واشنطن لتبرير وجودها في سوريا. يقول المنطق إن أردوغان لن يذهب بعيدا إلى درجة مواجهة مباشرة مع روسيا، حليفته العظمى الوحيدة بعدما وصلت علاقته مع الولايات المتحدة إلى شفير الهاوية.
هآرتس 2018-02-21
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews