Date : 20,04,2024, Time : 09:57:44 AM
3331 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الاثنين 03 جمادي الآخر 1439هـ - 19 فبراير 2018م 12:20 ص

رسائل حرب سيناء

رسائل حرب سيناء
عبد الحليم قنديل

حين يتحرك الجيش، يؤدي له المصريون التحية الواجبة الجامعة، فليس في الدنيا شعب يحب جيشه كما الشعب المصري، والجيش ـ كما النيل ـ ركيزة للوجود المصري، وفي حضرة الجيش، فلا قيمة كبيرة لاختلافات السياسة، وهو ما يفسر الإجماع الشعبي على تأييد تحرك الجيش الأخير على جبهة الحرب في سيناء، وبلا فروق تذكر بين مؤيد ومعارض وطني.
نعم، فنظم الحكم تأتي وتذهب، لكن الشعب المصري يظل باقيا، وكذلك جيشه، فالجيش هو جيش الشعب المصري، وليس جيشا لفرد أو لحاكم، ولا زمرة من الموظفين المعزولين عن حس الشعب المصري، وكان الجيش دائما هو حجر الزاوية في تكوين الوطنية المصرية الحديثة، من عصر محمد علي، إلى عصر جمال عبد الناصر، إلى مصر اليوم.
وكان التجنيد الوطني الإلزامي هو العنوان الأول للتساوى في حق وواجب المواطنة، وكانت مراحل قوة الجيش وضعفه معيارا تقاس به حيوية التكوين المصري أو تدهوره، كانت الصيغة الأولى الحديثة للجيش في عصر نهوض محمد علي، وولدت الصيغة الثانية بعد هزيمة 1967، حين أعاد عبد الناصر بناء الجيش من نقطة الصفر، ووضع التنظيم الجديد المتصل إلى الآن للقوات المسلحة، الذي قاد العبور في حرب أكتوبر 1973، وبدا في الأيام الأخيرة كأنه يعبر من جديد إلى جبهة الشرق، الجبهة نفسها التي كان يأتي منها دائما الخطر على مصر، والتي حارب المصريون فيها على مدى زمنهم الألفي السنين، من معارك «مجدو» تحتمس إلى «قادش» رمسيس، ومن «حطين» صلاح الدين إلى «عين جالوت» قطز، ومن معارك إبراهيم باشا إلى حروب جمال عبد الناصر، ومن حرب تحرير سيناء في أكتوبر 1973، إلى حرب التحرير الثانية المتصلة فصولها إلى الآن، وعلى جولات بلغت ذروتها في عملية «سيناء 2018» الجارية اليوم، التي تتعدى في رسائلها ومعانيها عنوان الحرب المعلنة ضد جماعات الإرهاب.
وفي المعنى المباشر، تبدو رسالة تصفية واقتلاع الشتلة الرئيسية لجماعات الإرهاب أكثر ظهورا، وهو هدف لم يولد اليوم، بل جرى التقدم إليه على مراحل، وبدأت عملية «حق الشهيد» في نهايات 2015، وكانت حالة الإرهاب في سيناء قبلها قد بلغت الذروة، وإلى حد تصور جماعات الإرهاب المقيمة في شرق وأجزاء من وسط سيناء، أنها يمكن أن تكرر في مصر ما فعلته في العراق وسوريا، وأنها يمكن أن تستولي على أرض، وأن تقيم عليها كيانا لما سمته «ولاية سيناء»، وهو ما جرت تصفيته على الفور، ووأده في مهده، وإثبات أنه ليس بوسع أحد، ومهما كانت قوته وخطوط إمداده ومليارات تمويله، أن ينتزع شبرا من أرض مصر المقدسة، ولا من سيناء بالذات، المعجون ترابها بدم المصريين أجيالا وراء أجيال، وهو ما دفع جماعات الإرهاب إلى تغيير الخطط والأساليب، والتخلي عن الهدف المستحيل في اقتطاع أرض، والتحول إلى غايات إنهاك الجيش وقوات الأمن، والاختباء وسط الأهالي، وفي صحراء سيناء الواسعة وعرة التضاريس، وشن هجمات متفرقة على الأكمنة ونقاط ارتكاز الأمن، وهو ما انتهى بعد جولات إلى فشل ذريع، خصوصا بعد مبادرة الجيش لتطهير «جبل الحلال» وسط سيناء، وتضييق الخناق بالهدم المنتظم للأنفاق والخنادق تحت الأرض، واندفاع الإرهابيين المجنون إلى تدبير عمليات إرهاب في مدن الدلتا ضد الكنائس بالذات، فيما كانت عملياتهم في سيناء، يضعف أثرها، وتتراجع تقنيا إلى عمليات إطلاق نار عابر، أو تدبير كمائن على طرق حركة القوات، أو زرع عبوات ناسفة على حواف الأسفلت، أو البحث عن النقاط الأضعف، والانتقام العشوائي من الأهالي في عمليات وحشية، بلغت ذروتها في حادث قتل مئات المصلين في مسجد الروضة قبل شهور، التي لم تجرؤ جماعات الإرهاب حتى على إعلان مسؤوليتها فيه، وكان لا بد من التفكير بطريقة مختلفة، تنهي الحرب بالضربة القاضية لا بالنقاط، خاصة بعد تراكم خبرات الحرب ضد الإرهاب، والتحسن الطفري في جمع المعلومات المخابراتية، ورسم خرائط أكثر دقة لجغرافيا الأوكار الإرهابية، ومضاعفة معدلات التعاون والتنسيق بين الجيش المصري وحركة حماس على جانبي الحدود، وهو ما صنع المقومات المطلوبة لشن حرب إبادة الإرهابيين هذه المرة، وتنفيذ تعهد الرئيس السيسي باقتلاع بؤرة الإرهاب في سيناء خلال ثلاثة شهور، وهو التعهد الذي التزم به الجيش في حفل المولد النبوي الشريف أواخر نوفمبر 2017، وبدا متمهلا مدققا في إجراءات تنفيذه، إلى أن حانت ساعة الصفر، وتحرك عشرات الألوف من ضباط وجنود الجيش في غمضة عين، وعلى نحو لم تشهده مصر منذ ظهيرة الحرب الكبرى في حرب 6 أكتوبر 1973، مع فارق مرئي هذه المرة، وهو أن انتشار الجيش برا وبحرا وجوا، ومن حدود شرق مصر إلى حدود الغرب، جرى في اللحظة نفسها، وبطريقة بالغة السرعة عظيمة الكفاءة.
ومن وراء المعنى المباشر، تبدو الرسالة الضمنية لتحرك الجيش ظاهرة بوضوح، فالحرب في سيناء ليست مجرد اقتصاص معزول من جماعات الإرهاب، بل هي حرب تحرير وطنية بامتياز، جوهرها استعادة سيناء بالفعل لا بالأغاني، وبدم الشهداء، ووصل ما انقطع مع حرب أكتوبر 1973، وتفكيك قيود نزع السلاح الثقيلة التي كانت مفروضة بمقتضى الملاحق الأمنية لما يسمى معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، التي نزعت سلاح الجيش المصري بعمق يقارب 150 كيلومترا من الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة، وتراجعت بخط الوجود العسكري المصري إلى مسافة 59 كيلومترا لا غير شرق قناة السويس، أي غرب «خط المضايق» الحاكم عسكريا في سيناء، وحظرت أي تواجد أو حركة للطيران الحربي المصري والبحرية في سيناء كلها، وكان ذلك عارا ألحقته المعاهدة المشؤومة بمصر، سمح ضمنا بحرية حركة المخابرات الإسرائيلية وجماعات الإرهاب في المناطق منزوعة السلاح، وجعل الدولة المصرية آخر من يعلم بما يجري في غالب سيناء، وعلى نحو سمح بتوحش جماعات الجريمة وجماعات الإرهاب، وسيطرتها لعقود على الحياة اليومية للسكان قليلي العدد بالمقاييس المصرية، وتوفير سياق ملوث، أتاح لإسرائيل إعداد خطط اقتطاع أجزاء من شرق سيناء وصولا إلى حدود «العريش»، وعلى نحو ما ذهبت إليه خطة الجنرال الإسرائيلي جيورا أيلاند، المعلنة للمرة الأولى في نهايات 2009، وتطابقت فيها أحلام إسرائيل مع أوهام جماعات الإرهاب، وخلقت التحالف الموضوعي بين الطرفين، وجعلت إرهاب القرن في خدمة ما يسمى «صفقة القرن»، ومن هنا، يبدو الطابع الوطني الخالص للحرب ضد الإرهاب في سيناء بالذات، فهي ليست حربا لتأمين نظام، ولا فقط لتأمين شعب من شرور الإرهاب، بل هي حرب لتحرير وتأمين التراب الوطني، وهو ما بدا ساطعا في سيناريو السنوات الأخيرة، فقد توازت الحرب ضد الإرهاب مع حرب إلغاء ودهس مناطق نزع السلاح، وبتكتيك وطني غاية في الذكاء، أجاد استخدام دواعي الإرهاب لتفكيك قيد نزع السلاح الذي فرض على مصر، وجعل واحدا من أخطر مضاعفات «كامب ديفيد» شيئا من الماضي، وعاد بقوات الجيش المصري إلى سيناء كلها من جديد، وجعل وجود الجيش المصري بكامل سلاحه في عموم سيناء أمرا واقعا لا رجعة فيه، وتقدم بوجود قواتنا إلى حافة حدودنا التاريخية مع فلسطين المحتلة، ولأول مرة منذ ما قبل هزيمة 1967، في انقلاب استراتيجي كامل الأوصاف، أعاد مصر إلى مصر، وأعاد كامل ترابها إلى حضن جيشها، واستعاد حرية القرار الوطني، وعلى نحو متدرج، تعددت وتوالت أماراته، تهزأ بأكاذيب وخزعبلات صغيرة وكبيرة، من نوع ادعاء طلب مصر تحليق وغارات الطيران الإسرائيلي في شرق سيناء، وعلى نحو ما زعمت فرية ساذجة مكشوفة نشرتها «نيويورك تايمز» صهيونية الملكية والإدارة والتحرير والهوى، وسخر منها المتحدث باسم الجيش المصري، ثم كان التحرك الأخير للجيش المصري، وطلعات طيرانه الكثيف، صاعقا لأكاذيب الخيال المريض.
بقيت رسالة ثالثة لا تخطئها عين في التحرك الأخير للجيش، فقد حرص البيان الأول لقيادة القوات المسلحة على ذكر «مناورات» يجريها الجيش، وباستعراضات النار الحية في أراضي ومياه شرق مصر، وسبقت القوات البحرية بالذات إلى حركة إحاطة شاملة، وكأن الجيش المصري أراد أن يقول «نحن هنا»، برا وجوا وبحرا، وفي جاهزية تامة لعاشر أقوى جيش في العالم بالتصنيف الدولي، وعلى استعداد فوري لملاقاة الخطر من أي جهة كانت، في منطقة تغلي، تتدافع فيها المطامع والمطامح الدولية والإقليمية، وربما تنزلق إلى «حرب قرن» لا إلى «صفقة القرن» الميتة، ولا شيء يمنع الحرب إلا الاستعداد للحرب، ولا شيء يمنع العدوان إلا حيازة قوة الردع، وقد لا تريد مصر حروبا مع أحد في المدى المنظور، لكنها لا تريد لأحد أن يفكر في اختبار صبرها، ولا الاستهانة بقوة ردعها، ولا التحرش بأراضيها وقراراتها ومصالحها وثرواتها البرية والبحرية.
وقد ردت مصر بصرامة على سعى أطراف بعينها للتحرش بمنطقتها الاقتصادية الخالصة في شرق البحر المتوسط، ثم شفعت بيانها الصارم باستعراض قوة بحرية بلا مثيل في المنطقة كلها، في رسالة بعلم الوصول إلى من يعنيه الأمر العسكري.

القدس العربي  2018-02-19




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد