كيف نجا عرفات من الاغتيالات الإسرائيلية؟
جي بي سي نيوز :- قضية المحاولات المتواصلة لقتل ياسر عرفات جديرة بكتاب خاص بها وهي تنبع من فكر إسرائيلي مزدوج: أولا، ينبغي عمل كل شيء، تماما كل شيء، من أجل الامتناع عن حروب طويلة. تأجيل الحرب التالية والخروج إليها «فقط عندما يكون السيف على الرقبة تماما»، على حد قول مئير داغان. وبدلا من الحروب يجب القيام بعمليات مركزة، سرية، عميقا في قلب العدو.
ثانيا، إذ بمعونة تصفية الزعماء يمكن تغيير التاريخ. مئير داغان قال لي هذا صراحة: «أعتقد أن المس به كان سيغير وجه التاريخ. عرفات لم يكن فقط زعيما فلسطينيا. على مدى السنين نجح في أن يبني لنفسه شبكة علاقات، جعلته محصنا وعلى مستوى تأثير كنت أصفه كتأثير الأب المؤسس. أعتقد أن المس به سيحقق جزءا كبيرا من الخصومات الداخلية التي كانت موجودة في م.ت.ف، وقدراتهم على اتخاذ قرار استراتيجي ما لم تكن موجودة.
ولكن فضلا عن المس بعرفات، كانت مسألة المس بالأبرياء الذين كانوا في محيطه. وهذه، في نظري، النقطة الأهم في القصة كلها. عندما سمع رئيس شعبة الاستخبارات يهوشع سغي في بداية 1982 بأهم يوشكون على قتل عرفات وكل مساعديه في قصف هائل، من شأنه أن يمس بأبرياء، ذهب إلى نائب وزير الدفاع، مردخاي تسيبوري خصم شارون، وأقنعه بالذهاب إلى بيغن، المسؤول السابق عنه في التنظيم السري «الايتسل» لإقناعه بإلغاء العملية.
في أيام الحرب قاد عوزي دايان قوة «سمك مالح» التي خرجت إلى بيروت المحاصرة للعثور على عرفات وإعطاء الإشارة عنه لسلاح الجو من أجل القصف. كانت لعوزي دايان ترددات لا تقل قسوة: «عرفات أنقذه أمران ـ حظه الذي لا ينتهي ـ وأنا، الذي أعتقد أن عرفات هو هدف شرعي ولكنه ليس هدفًا يقدس كل الوسائل. إذا رأيت أنه ينطوي على ذلك قتل واسع للمدنيين، حتى لو عرفنا أن عرفات يوجد هناك، لم أوافق على أن يخرجوا للقصف. رافول كان يتفجر غضبا. يتصل اليه ويقول «أفهم أن لديكم معلومات عن مكان كهذا او كذاك. لِمَ لا توجد طائرات في الجو؟!». أجبته أنه لا يمكن وأن هناك الكثير من الناس. رافول اجابني: «دعك من هذا ـ أنا آخذ المسؤولية، عليّ». لم أكن مستعدا لهذا. رافول لن يعلمني ما هي أخلاق الحرب. في مرحلة متأخرة أكثر بلغني رئيس الأركان أنه في الإطلاق ليس من صلاحيتي إن كان سيكون قصف أم لا، أنا علي فقط أن أبلغ إذا كان الهدف ناضجا من ناحية استخبارية. من هذه النقطة فلاحقا، كونه لا يمكن إزالة المسؤولية عن قائد يقرر في الميدان، في كل مرة علمنا فيها بان القصف سيتسبب بقتل جماعي للمدنيين أعلنا بانه «لا يوجد نضج استخباري»».
بعد الحرب حين أراد شارون جدا قتل عرفات، أمر بإسقاط طائرات طار فيها الزعيم الفلسطيني، قررت مجموعة ضباط في سلاح الجو بأن هذا ببساطة لن يحصل. ويروي سيلع يقول: «ذهبت إلى رافول وقلت له أيها القائد نحن لا نعتزم عمل هذا. لن يحصل ولن يكون. أفهم أن هنا توجد سيطرة زائدة من وزير الدفاع. أحد لا يتجرأ على الوقوف ضده. وعليه فنحن ببساطة سنجعل هذا متعذرا فنيا. نظر رافول الي صامتا ولم يقل شيئا. وأخذت أقواله كموافقة.
أجرى سيلع سلسلة أعمال بحيث انه في كل مرة لوحظت فيها طائرة مع عرفات بداخلها حصل شيء ما جعل العملية متعذرة. وبالتوازي، تورط شارون في لجنة التحقيق التي تشكلت للتحقيق في المذبحة التي ارتكبها المسيحيون ضد الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا، وزال اهتمامه عن العملية، «التي ذابت إلى أن ألغيت تماما».
وهكذا، في السطر الأخير يدور الحديث عن قصة أخلاق قتالية وحفاظ على طهارة السلاح. وفي مواجهة الرغبة الشديدة، على أقل تقدير، من رافول وشارون (وبزعم عوديد شمير، السكرتير العسكري لشارون ـ لبيغن أيضا) لقتل عرفات، وبكل ثمن، قام ضباط صغار وكبار وبالقول او الفعل منعوا العمليات، بقدر ما كانت تعرض للخطر حياة الأبرياء. دافيد عبري، عوزي دايان، افيئام سيلع، عاموس غلبوع وآخرون هم أبطال هذه القضية.
يديعوت 2018-01-26
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews