إنه الاعتراف وليس العقار يا غبي
جي بي سي نيوز :- كله ضحك، ولكن مع حلول سنة على أدائه اليمين القانونية، يثبت دونالد ترامب رئاسته. في طريقه الأعوج، وبدعم من الحزب الجمهوري، ينجح ترامب في تنفيذ سلسلة من الوعود في حملته الانتخابية: تغيير التشكيلة للمحكمة العليا، القيود على الهجرة، تقليص الأنظمة الإدارية، الاصلاح الضريبي الذي يحسن أساسا للقطاع التجاري والعشرية العليا والاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل، بما في ذلك هذا الأسبوع في الأماكن المقدسة لليهودية في البلدة القديمة.
لقد كان القانون للاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، والذي أقر في الكونغرس الأمريكي في 1995، عليلا منذ البداية. فقد أمر القانون الإدارة بالاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل وطلب إقامة السفارة الأمريكية فيها «في موعد لا يتجاوز 31 أيار 1999». وتضمن القانون عقوبات مالية تفرض على مخططات البناء والترميمات في المؤسسات الدبلوماسية خارج الولايات المتحدة، إذا لم تستكمل إقامة السفارة في موعدها.
لقد خلق القانون مشكلة. فالصلاحيات الحصرية لإدارة السياسة الأمريكية الخارجية، بما في ذلك الاعتراف بالسيادة على الأرض ومكان مدينة عاصمة أية دولة كانت، ممنوحة بقوة الدستور والتفسيرات للرئيس حصريا. يمكن للكونغرس أن يوصي، لا يمكنه أن يأمر الرئيس في كيفية التصرف. ومن أجل إنقاذ القانون أضيفت إليه مادة تعيد صلاحيات القرار إلى الرئيس: ابتداء من تشرين الأول 1998، قيل فيه إن من حق الرئيس أن يؤجل إقامة السفارة في القدس لفترة حتى ستة أشهر، شريطة أن يتوصل إلى الاستنتاج «بوجوب اضطرار لتأخير إقامتها (السفارة) للدفاع عن المصالح الأمنية القومية للولايات المتحدة».
وكما هو معروف، فإن كل الرؤساء منذئذ وحتى اليوم وقعوا كل نصف سنة وثيقة تسمى «القول الرئاسي»، الذي كتب فيها بالفعل بأن إقامة السفارة في القدس في هذا الوقت تعرض للخطر المصالح القومية ـ الأمنية الأمريكية. كما أن التوقيع أزال أيضا التهديدات المالية على وزارة الخارجية. ووقع الرؤساء الأمريكيون الوثيقة لاعتبارات سياسية، ولكن ليس أقل من ذلك لأن أحدا منهم ما كان يمكنه أن يسلم بتدخل الكونغرس الفظ في سياستهم الخارجية، فما بالك العمل بموجبه.
ولكن ماذا؟ تلك المادة إياها في القانون التي تسمح بتأخير تطبيقه، لا تتناول على الإطلاق الاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل. فالرؤساء الذين سبقوا ترامب أيضا كان بوسعهم أن يفعلوا بالضبط ما يفعله هو: توقيع التأخير نصف السنوي في تنفيذ القانون على الأرض، وفي الوقت نفسه توقيع اعتراف رئاسي بالقدس كعاصمة إسرائيل. أما هم فقد قالوا غير ذلك.
وماذا يساوي الاعتراف من دون نقل السفارة؟ كل شيء. فالعقار ليس هو ما يقرر الأمر. صحيح أنه دارج أن تقام السفارات في عواصم الدول، ولكن هذا هو عرف ليس أكثر. فمثلا، حتى قطع العلاقات الدبلوماسية في 1967 كانت سفارة الاتحاد السوفييتي في إسرائيل في رمات غان؛ هذا لم يجعل رمات غان عاصمة إسرائيل ولا حتى في نظر السوفييت.
أما إعلان ترامب الموقع بالاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل فيثبت مكانة كهذه في كل المنظومة الفيدرالية الأمريكية ـ وهذا هو التغيير الدراماتيكي، من دون صلة بالمكان المادي للسفارة. فوزير الخارجية ومساعدوه يمكنهم أن يتملصوا من مسألة موعد التغيير في وثائق الدولة الرسمية، ولكنه لا بد سيأتي ـ وقريبا.
حين تبدأ القدس في الظهور كعاصمة إسرائيل في منشورات الإدارة أمريكية ومؤسساتها، فإن الاتحاد الأوروبي أيضا سيكون مطالبا بأن يقرر ما هي عاصمة إسرائيل. وألا يكتفي، مثلما هي الحال الآن، بالقول إن القدس ليست كذلك. هذا يشرح الغضب الدبلوماسي في أوروبا على إعلان ترامب: فلا يوجد شيء كريه أكثر من قبل وزارات الخارجية في الاتحاد الأوروبي من قرارات إيجابية في مسائل الشرق الأوسط.
من السابق لأوانه أن نخمن كيف سيؤثر إعلان ترامب في المسيرة السياسية العالقة. فمنذ بدايتها اتفق المشاركون فيها على أن يبقى موضوع القدس والأماكن المقدسة فيها إلى النهاية، بصفته الجوزة الأمنع على الكسر. أما ترامب فيقلب الترتيب؛ إعلاناته المباشرة وغير المباشرة تضع مسألة القدس كلها كنقطة بدء للمفاوضات. من يدري، لعل هذه هي «نقطة ارخميدس» التي منها سيكون ممكنا انقاذ كل المسيرة من الوحل الشال. ونأمل ألا يكون العكس.
يديعوت 2017-12-18
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews