القدس ليست جزءا أساسيا من القومية اليهودية ولا من الصهيونية
جي بي سي نيوز :- «المناطق المهمة في البلدة القديمة في القدس التي سيتم تحديد حدودها حسب ما رأت عصبة الأمم ستحظى بمكانة المناطق نفسها التي تقع خارج الحدود، والمقبولة على كل العالم، بشأن مفوضيات الدُّول»، هكذا حدد زئيف جابوتنسكي المكانة السياسية للبلدة القديمة. كما جاء أن «كل منطقة من هذه المناطق ستعتبر منطقة بلدية خاصة وستدار من قبل مجلس، يتم تعيينه بالاتفاق بين السلطات الدينية ذات الصلة».
هذه الأقوال جاءت في البند (د) في مشروع القانون للدولة اليهودية في ضفتي الأردن، الذي تمت المصادقة عليه من قبل الحركة التنقيحية في عام 1934، ونشر في كتابه الأخير «جبهة الحرب لشعب إسرائيل» في عام 1940.
البساطة الطبيعية التي يزال فيها الرمز اليميني للصهيونية الجديدة، ومفكر رؤيا أرض إسرائيل الكاملة، عن السيادة اليهودية في صميم قلب القدس التأريخية، تدلل على حقيقة من الحقائق التأريخية الأساسية في تأريخ الصهيونية، المعروفة جيدا للباحثين في الصهيونية: خلافا للأقوال المدحوضة لنفتالي بينيت عشية خطاب ترامب حول الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، التي جاء فيها «لا توجد صهيونية من دون القدس»، فإن الصلة الوطنية ـ الدينية للشعب اليهودي بالقدس لم تلعب في أي يوم دورا مركزيا في النظرة الوطنية للصهيونية السياسية الحديثة.
لأن أحد الأهداف المعلنة للحركة الصهيونية، الذي يظهر بوضوح في «دولة اليهود» وفي «أرض قديمة ـ جديدة» لثيودور هرتسل، كان تحقيق «مصالحة تـأريخية» بين اليهود وأمم العالم، فإن الصهيونية السياسية منذ بدايتها لم تخطر ببالها فكرة سيطرة اليهود على مناطق الالتقاء بين الأديان التي كانت بين حين وآخر بؤرة توتر في البلدة القديمة.
ليس عبثًا أن حدد هرتسل في «أرض قديمة ـ جديدة» موقع الهيكل، ليس على أرض الحرم، لذلك فإنه أعطى تعبيرا رمزيا، لكنه بارز، لتوجه الصهيونية السياسية بالابتعاد عن الحوض المقدس، وبدرجة بارزة أيضا على اللامبالاة السياسية تجاهه، لامبالاة نلاحظها أيضا في الدستور التنقيحي لجابوتنسكي.
في حين أن مكانة القدس في الصهيونية الحديثة هامشية جدا، فليست هكذا الحال فيما يتعلق بالقومية الفلسطينية. الشعب الفلسطيني هو الآن أكثر الشعوب إهانة من الناحية الوطنية في الشعوب العربية. هو الشعب العربي الوحيد الذي يقع تحت سلطة قومية أجنبية، مجال وجوده الوطني مقسم من قبل سلطات الاحتلال إلى جيوب تشبه الغيتوات، وهذه آخذة في التقلص بسبب مشروع الاستيطان الأزعر، الذي يزدهر خلافا للقانون الدُّولي. هذا من دون ذكر السجن الأكثر اكتظاظا في العالم، قطاع غزة.
القيادة المستقلة ذاتيا كما يبدو للشعب الفلسطيني المجبرة على التعاون مع الاحتلال، وفي الوقت ذاته يطلب منها إطفاء أي بصيص للمقاومة الشعبية. وإذا لم يكن هذا كافيا، فهي مكشوفة كل الوقت لتهديدات المحتل وحليفته القوية وراء البحار. كي لا تتجرأ على التظلم أمام المحكمة الدُّولية بشأن الجرائم الكولونيالية الإسرائيلية. على ضوء ذلك كله فإن صلة الوطنية الفلسطينية بالحرم تعبر بصورة صحيحة عن القديم والثمين الذي بقي من الكرامة الوطنية للشعب الفلسطيني، التي يتم سحقها كل يوم.
لذلك فإن ادعاء بينيت أن القدس غير مذكورة في القرآن هو ادعاء مضحك جدا. ومهما كان عدد المرات التي ذكرت فيها القدس في القرآن (أو لم تذكر) فالمهم هو أن القدس منقوشة أعمق من أي وقت مضى في روح الوطنية المحطمة للشعب الفلسطيني.
إن المصادقة على مواصلة وتعميق مشروع الاحتلال والاستيطان في شرق المدينة، المغلف بتصريح مشعل النار من البيت الأبيض الذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل من دون التمييز بين مناطقها الإسرائيلية الشرعية وأقسامها المحتلة، وهتافات السرور من قبل إسرائيل الوطنية الدينية ـ توصل الإهانة والقمع للشعب الفلسطيني إلى أرقام قياسية جديدة. من الواضح أن الوطنية الفلسطينية ستواصل الرد على ذلك من خلال المقاومة الثابتة، مهما كان الرد الإسرائيلي.
من الصعب التنبؤ كيف ستنتهي جولة العنف الحالية بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن يمكننا الأمل بأنه نظرا للاستعداد لتقديم تنازلات في القدس ميز منذ البداية بصورة جوهرية الرؤيا السياسية للصهيونية، فإن إسرائيل ستجد في النهاية الطريق بالعودة إلى الخط التنازلي بخصوص القدس الشرقية بروح آباء الصهيونية. لذلك يجب عليها أن تستوعب الموقف الديني ـ السياسي الذي وجهها غليه مؤسس الصهيونية السياسية في الوقت الذي قارن في داخله إنشاء الهيكل خارج الموقع المخصص له حسب الشريعة اليهودية. حسب هذا الموقف يجب أن نزيل والى الأبد ذلك الحمل الديني القابل للانفجار الذي يجره التقليد اليهودي على ظهره منذ آلاف السنين، وأن نقول بصورة حاسمة إنه لا يجب تطبيق السيادة الإسرائيلية على منطقة الحوض المقدس.
شرط ضروري كي تتبنى إسرائيل هذا الموقف في يوم ما هو إحراق طاعون المسيحانية السياسية الذي تفشى في الدولة منذ 1967 وهو يدفعها ويدفع المنطقة كلها إلى الاشتعال القاتل لحرب دينية.
هآرتس 2017-12-14
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews