قنبلة ترامب الضرورية جدا
كلنا يعلم أن قضية الصراع العربي الإسرائيلي لم تتوقف يوما عن التدهور والانحدار إلى المزيد من التعقيد على مدى أكثر من 70 عاما، حتى بعد التوصل إلى معاهدة السلام مع مصر واتفاق أوسلو ومعاهدة السلام مع الأردن.
لم يتوقف الصراع عن الغليان باستثناء فترات تهدئة قصيرة، لكنه سرعان ما كان يعود إلى التصعيد وبزخم يفوق ما كان عليه قبل تلك الاتفاقات. كل مراجعة سنوية لخارطة الصراع والاستيطان والاستيلاء على الأراضي تكشف أن خسائر الفلسطينيين تواصل الاتساع منذ قيام إسرائيل.
أشك في أن هناك أي مراقب حصيف يعتقد أن الصراع العربي الإسرائيلي يمكن أن يصل إلى حل نهائي في المنظور القريب بعد أن تكسرت جميع المحاولات الكبرى لوضعها على الطاولة العالمية وفشلت في تحقيق أي نتائج.
كانت القضية بحاجة إلى زلزال غير مسبوق لكي تتوجه أنظار العالم إليها وتضع الجميع في موقف محرج لا يمكن السكوت عليه ولكي تتم مراجعة القضية على نحو عاجل وغير قابل للتأجيل.
ليست هناك خطوة يمكن أن تستوفي تلك الشروط، أكبر من التحرش بعقدة الصراع المستحكمة والتي تستفز مشاعر الجميع ولا يمكن أن تهدأ ويتم إخفاؤها تحت البساط، سوى مستقبل القدس الذي لا يمكن أن يتجاهله أحد من أطراف الصراع أو المراقبين الدوليين لأنه يصطدم بقوة بالقانون الدولي.
هنا جاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حين اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل دون أن يذكر القدس الموحدة كما كانت تأمل إسرائيل.
لم يذكر ترامب أيضا القدس الغربية أو الشرقية. ولو فعل ذلك لأمكن تهدئة الزوبعة وسقوطها في بئر النسيان بعد فترة قصيرة من الاحتجاجات. هل تعمّد إعلان قراره بتلك الطريقة لكي يفرض عدم انسحابها من طاولة القضايا التي لا تحتمل التأجيل، ولكي يعطي حديثه عن صفقة القرن زخما هائلا.
قد نكتشف قريبا أن قرار ترامب كان قنبلة دخان ضرورية لفرض قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على طاولة العالم، ومنعها من مغادرة الطاولة إلى أن يتم حسمها على رؤوس الأشهاد وبطريقة نهائية.
قد نكتشف بعد حين أن القرار الصاعق هو أفضل ما حدث للقضية الفلسطينية من أجل إخراجها من رحلة الموت البطيء، التي لم تتمكن الحروب والمفاوضات والانتفاضات واتفاقات السلام من إيقافها وأن القضية ما كانت لتحسم لولا ذلك الزلزال.
هناك فرصة أن يؤدي القرار إلى نتائج لم تكن في حسبان ترامب ولا في حسبان اليمين الإسرائيلي الذي احتفل مبكرا بالقرار كنصر كبير إذا انقلب السحر على الساحر.
سيكون من أسوأ النتائج أن يعود الفلسطينيون إلى الإصرار على حل الدولتين الذي لن يمنحهم سوى مقاطعات منقوصة السيادة تحت قبضة دولة إسرائيلية قوية، وسيؤدي ذلك إلى بقاء نقاط التفجر لعقود وربما لقرون مقبلة ليس بين الإسرائيليين والفلسطينيين فقط بل في عموم المنطقة.
هناك فرصة غير مسبوقة للقضاء على نظام التمييز العنصري الإسرائيلي إلى الأبد إذا وحّد الفلسطينيون جهودهم للمطالبة بدولة واحدة من النهر إلى البحر، دولة علمانية بحقوق مواطنة متساوية لجميع سكانها من العرب واليهود وبقية الأقليات والأعراق الأخرى.
ستكون تلك الدولة في صالح جميع المواطنين في الأراضي الفلسطينية وإسرائيل وستكون أمامها فرصة هائلة للانتعاش على جميع الأصعدة. وسوف تفتح الأبواب لاستقرار غير مسبوق في عموم المنطقة.
أعلم أن ذلك الخيار سيواجه مقاومة شرسة من قبل اليمين الإسرائيلي. وقد سبق أن تكسرت جميع محاولات إطلاق هذا الخيار حين تم ثني الفلسطينيين عنه بسهولة كبيرة.
لكن قرار ترامب الأخير يمكن أن يمنح هذا الخيار قوة استثنائية لأن رفض الإسرائيليين له سوف يكون بمثابة إصرار وقح على التمييز العنصري، وسوف ينظر إليه على أنه صفعة غير مقبولة للمعايير العالمية.
هناك الكثير من النكسات التي تحولت تداعياتها إلى فرصة هائلة ولم يعد بالإمكان تخيل عدم حدوثها بعد أن أدت إلى نتائج إيجابية لم تكن في الحسبان.
قرار ترامب لن يسمح لأحد من الأطراف المباشرة بل وحتى الأطراف الدولية بإهمال القضية الفلسطينية بعد اليوم. وسوف يؤدي حتما لتقصير عمرها ووقف انحدارها المزمن وتغيير الإسرائيليين لحقائق أرض الواقع.
لا أستبعد أن نقول في وقت ليس ببعيد إنه لولا قرار ترامب الوقح لما تمكنا من رؤية ضوء في نهاية نفق الصراع العربي الإسرائيلي المزمن.
العرب اللندنية 2017-12-14
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews