لا يمكن إدارة النزاع… بل النزاع هو الذي يديرنا
برغم محاولة إخفاء القاذورات تحت البساط فإن النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني ما زال قائما هنا. في الحملة الانتخابية الأخيرة صحيح أنه لم يكن حاضرا كثيرا، وكلهم بما في ذلك المتحدثون باسم «القائمة المشتركة»، تحدثوا عن مساواة اجتماعية ـ مدنية، عن فجوات اقتصادية وغلاء معيشة. فإن لدينا سويسرا. بالامكان إخفاء الغبار تحت البساط، ولكن لا يمكن إخفاء نَمِر تحت البساط. وهذا النَّمِر يفترس وهو نائم ويهدد بالاستيقاظ من نومه. إن كل وَهْمٍ بأن ننجح في «إدارته» في اندلاعه المقبل سوف تصفع وجوهنا بمخالب وأسنان مكشوفة.
في صيف 2014 وعلى بعد 500 متر من بيتي في كفار عصيون خُطف نفتالي فرانكل وغيل عاد شاعر وايال يفراح على أيدي اثنين من العرب من حماس الخليل. إن فكرة «إدارة النزاع» انهارت في ليلة واحدة من الكوابيس، وجرتنا جميعا إلى دوران عملياتي «عودوا إخوتنا» وبعدها «الجرف الصامد»، وتقريبا وصلنا إلى حرب إقليمية في الشرق الأوسط.
في الصيف الأخير قتل الشرطيان إيال سيتاوي وكاميل شنان بأيدي ثلاثة فلسطينيين من مواطني إسرائيل في جبل الهيكل، ومرة ثانية ـ القوة الهشة لدولة إسرائيل ومناعتها وقفت على فوهة بركان ثائر قبالة عرب البلاد والعالم الإسلامي.
لِمن لَم يفهم بعد، وقبل أي شخص آخر لرئيس الحكومة، يجب أن نقول بوضوح وقوة: ليس بالامكان «إدارة» النزاع. النزاع هو الذي يديرنا.
يجب أن نتحمل المسؤولية عن النزاع. نحن الإسرائيليين نعيش جيدا كما يبدو. صحيح أن الفجوات الاجتماعية غير محتملة بالنسبة للأربعة أعشار الأدنى من السكان، ولكن بشكل عام خاصة بالنسبة للمنطقة التي اخترنا أن نرجع ونقيم فيها مشروعنا القومي، فنحن جزيرة من الاستقرار. ولكن كم هو مرعب، كم هو مؤلم وكم هي المخاوف التي تعمل من خلال تيارات تحت أرضية تؤثر في تفكيرنا اليومي وكوابيسنا الليلية.
في السنتين الأخيرتين حظيت بتجنيد اثنين من أبنائي في جيش الدفاع الإسرائيلي لوحدات مقاتلة. مثلي، في أغلب العائلات في إسرائيل فإن العبء الأمني ليس فقط هو البند المثقل جدا في ميزانية الدولة. إنه وجودي ويومي.
الخوف يجبي منا كمجموعة مرعوبة إثمان كبيرة في كل نواحي الحياة. نحن نعيش بعصبية وبعدم هدوء، نخاف مما سيأتي. ما من شأنه أن يندلع. وكل هذا من دون أن نتحدث عن الأثمان الاقتصادية، الأخلاقية والسياسية للنزاع. إضافة إلى ثمن الدماء كما هو مفهوم.
إذا ما الذي يمنعنا أن نسعى بكل السبل، والتنقيب تحت كل حجر للوصول إلى السلام؟ ما الذي يثنينا عن أن نكون مبدعين، مبادرين، فعالين كما نعرف أن نكون في كل باقي مجالات الحياة؟ الخوف من التغيير، والأكثر من ذلك، الاعتياد المؤلم بأننا «لقد سبق أن حاولنا، وانظروا ماذا جرى». وبأنه ليس لدينا القوة لأن نكون مرة أخرى أرانب اختبار.
لقد مللنا من العودة إلى أن نكون «ضحايا السلام» (هذا التعبير المشوه الذي جاء إلى العالم في الأيام الصعبة والمرعبة باتفاقيات أوسلو ما زال يثير القشعريرة في أوساط العديد من الجمهور اليهودي ـ الاسرائيلي). المسلمة كما يبدو أنه في كل اتفاق سلام، سيضطر كل طرف ان «يضحي»، وأن كل اتفاق سيكون مرتبطا بـ«تنازلات مؤلمة» وبـ «أثمان صعبة» لا يثير حقا الرغبة في الخروج من منطقة الراحة (الشكلية)، الذي نتخيل رؤية أنفسنا فيها. ومن هناك الطريق لقبول «عدم وجود شريك»، و«لا يوجد حل» كمصير محتوم قصير جدا.
ولكن هذا غير صحيح. هناك شريك، هناك حل وهناك مكاسب لكلا الطرفين. قبل خمس سنوات بدأت حركة «دولتان، وطن واحد» سلسلة لقاءات بين إسرائيليين وفلسطينيين في بيت جالا ورام الله. منذ اللحظة الأولى عرفنا، كل واحد من زاوية رؤيته، أنه يكمن في أفكارنا احتمال الخروج من الطريق المسدود للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. وأن هناك شريك وهناك حل. العديد منا (من الطرفين) آمن وعمل في الماضي من أجل حل الدولتين أو من أجل حل الدولة الواحدة. ولكن في عملية متوازية وغير مرتبط الواحدة بالآخر أفقنا من الوهم.
المخطط الذي بلورناه معا هو فعليا خيار ثالث، خيار هذا وذاك، ربح ـ ربح «Win ـ Win»: دولتان على قاعدة شراكة وليس الفصل. حدود مفتوحة في كل أرجاء الوطن الواحد، من البحر إلى نَهَر الأردن، الذي هو الوطن نفسه : أرض إسرائيل كما نسميها، وفلسطين كما يسمونها. كلا الدولتان تقيمان فيما بينهما اتحادا كونفيدراليا، شبيها بالمبادئ التي يمكن أن نجدها في الاتحاد الأوروبي. الأربع مشاكل التي تبدو غير قابلة للحل خلال الـ 25 سنة الأخيرة منذ اتفاق أوسلو ـ الحدود، اللاجئين، المستوطنون والقدس ـ بالإمكان حلها بصورة تؤدي إلى مكاسب متبادلة لا لخسائر وأثمان متبادلة.
خلف كل ذلك، في قاعدة أفكارنا يقف الاعتراف المتبادل. بالعلاقة والانتماء لكل شعب من الشعبين بكل مناطق الوطن. من هنا تم وضع الـ 11 مبدأ التي بلورناها معًا. في الثلاث سنوات الأخيرة نقوم بحراثة البلاد على كلا طرفي الخط الأخضر ونعقد لقاءات.
لقد عقدنا حتى الآن أكثر من 450 لقاء، ورشات عمل ومؤتمرات محلية مع كل الطوائف الموجودة هنا بما في ذلك طوائف تم اقصاؤها أو أقصت نفسها من خطاب السلام (على سبيل المثال المستوطنون، مواطنو إسرائيل من الفلسطينيين، الحريديون، الشرقيون وغيرهم). لقد انضم إلينا ويواصل الانضمام آلاف المؤيدين والنشطاء من كل القطاعات في إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
نحن حركة متطوعات ومتطوعين، تحركنا الرغبة والأمل والمسؤولية ونعرف أن ما نطرحه هو الحل الأكثر أخلاقية وأيضا الأكثر إحتمالية، وأن وهم تصور الحفاظ على «الوضع الراهن» و«إدارة الصراع» خطيرة جدا. الإمكانية للتغيير والخلاص من الخوف والألم واليأس موضوعة أمامنا. فقط علينا الانحناء قليلا والتقاطها.
هآرتس 2017-11-22
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews