السلطة الرابعة!

اعتادت الأندية السعودية ذات الشعبية على دعوة الصحافيين بصفة مستمرة للاجتماع إلى رئيس النادي وأعضاء إدارته، تمهيداً لمطالبتهم بالوقوف مع الفريق في المرحلة المقبلة، بل وتوجيه اللوم لهم أحياناً بسبب كتابات بعضهم التي تسببت في تصدع جدار النادي في يوم ما، وأدت إلى تراجع نتائجه في المباريات المهمة أمام الأندية المنافسة التي تفتخر هي الأخرى بوجود نخبة من الصحافيين المتخمين بحب الفريق وألوانه ويبذلون الغالي والرخيص من أجل إيقاف الحملات المعادية التي تسعى لزعزعة استقرار الكيان والنيل من رموزه!.

وكثيراً ما يحاول رئيس النادي احتواء الصحافيين من خلال رفع شعار "أنتم شركاء في الإنجاز"، قبل أن ينطلق هؤلاء لتسلق المنابر وأسطح القنوات للذب عن ناديهم، ومهاجمة كل من تسوّل له نفسه العبث بسمعة هذا النادي، أو حتى من يفكر في اتخاذ قرار ضده في الاتحادين المحلي أو القاري، وغالباً تعتمد القنوات التليفزيونية تصنيف الصحافيين، إذ لا يمكن لصحافي ينتمي بكل جوارحه إلى نادي "الوحوش" أن يتحدث عن قضية أو مباراة تخص نادي "الحملان"، وهذا أصبح عرفاً بل من قواعد العمل في مؤسسات الإعلام الرياضي، المقرؤ والمسموع المرئي، إلا من رحم الله.

هذه الأخطاء تمارس علناً، وبمباركة من المؤسسات الإعلامية نفسها، بل تخالف القوانين الرسمية التي تحظر على الصحافيين ممارسات لا تراعي احترام المتلقي، وعلى الرغم من أن القوانين المحددة لقواعد ممارسة العمل الصحافي في السعودية، لم تحدد التجاوزات التي تدين الممارس، وتركت الأمر للجهات القضائية لتحديد الضرر والعقوبة، إلا أن الأمر يبدو مبهماً بصورة أكبر في التعاطي مع التجاوزات الصحافية في المجال الرياضي، خاصة أن هذا الحقل من حقول الصحافة، أتى بما لم يأت به حقل قبله !.

قبل أكثر من 150 عاماً ظهر مصطلح "السلطة الرابعة"، ليرمز إلى الدور الذي يفترض أن تلعبه الصحافة في المجتمع، ولتشبيه دورها بالسلطات الثلاث "التشريعية، القضائية، التنفيذية" من حيث الأهمية وحماية القيم والمبادئ الاجتماعية، لهذا أصبح الصحافي مقيداً بأخلاقيات رجل السلطة، التي توجب عليه الحياد والموضوعية والصدقية في ممارساته الإعلامية نحو المجتمع ومؤسساته.. ولا يمتلك رجل السلطة الرابعة حصانة ضد العقاب، بل إن بعض الأخطاء أودت بمقترفيها إلى السجن ودفع الغرامة المالية.

في الإعلام الرياضي هناك ممارسات لو أخضعت للقوانين المدنية من حيث الضرر، لتم تصنيفها ضمن جرائم الفساد، خاصة عندما يتبنى صحافي موقفاً ضد الحياد، من خلال تناول أخبار أو قضايا بطريقة تخلو من المصداقية أو الموضوعية، فضلاً عن تقديم نفسه كصحافي ينتمي إلى ناد معين وليس إلى مؤسسة إعلامية، لتصبح مهمته الدفاع عن هذا النادي والإساءة إلى منافسيه بأساليب تصل إلى القذف والطعن في الذمم!.

غياب المفهوم الصحافي "المؤسسي" تسبب كثيراً في انتشار ممارسات الإعلام الرياضي بطريقة أصبحت توجب تأسيس كيان مستقل يجمع الصلاحيات المبعثرة بين وزارات الإعلام والداخلية والعدل وهيئة الرياضة تحت سقف واحد، وربما كان مشروع اتحاد الإعلام الرياضي، نواة لمشروع أكبر يتبنى تصحيح المفهوم "المهني" أولاً، ويقنن الممارسات وفق أنظمة ولوائح تحدد أهلية "الإعلامي" لممارسة المهنة، وتصنف التجاوزات وعقوباتها، ليبقى هذا المشروع تنظيماً حقيقياً لممارسات الإعلام الرياضي مستقبلاً، ودون أن يعتمد هذا الإعلام في انضباطه على وصول مسؤول قوي، أو مسؤول أقل قوة.

 الرياضية السعودية 2017-11-19