من ينقذ اليهودية من الأسْر؟
جي بي سي نيوز :- العاصفة الدورية من إنتاج آفي غباي ـ «اليسار نسي ماذا يعني أن نكون يهودا» ـ مرت بسرعة شديدة من الحقل الفلسفي إلى الميدان الاستراتيجي. فالمحللون يشرحون لمن يحاول أن يتزلف ولأي اعتبارات انتخابية. وبالتوازي، يحاول جيش الموضحين لديه ـ بأن يديه محملتان جدا ويحاول الدفاع عنه وبشرح بأن لا مفر: هو ملزم حقا بأن يرتبط بالجماهير التي هجرت حزب العمل، زعما بسبب تنكره «للقيم اليهودية». فمتى سنحصل قريبا على آخر المعطيات ـ عفوا، استطلاعات المقاعد ـ فنتمكن من أن نحسم إذا كانت الرسالة قد مرت بنجاح أم ردت باحتقار.
ما أهمل على الطريق، كالمعتاد تقريبا، هو جوهر الأمر. فهذا يدل ليس فقط على الرجل الذي أطلق التصريحات، بل أيضا على مسيرة مركزية تصمم الخطاب السياسي ـ الثقافي في إسرائيل: تفريغ اليهودية من مضمونها الروحاني والثقافي وجعلها قفازا لليد إن لم نقل مخرزا محددا. «نسي اليسار ماذا يعني أن نكون يهودا» ليس له علاقة لمعرفة فكر إسرائيل، إقامة الفرائض ومعانيها ولا المدارس المختلفة المتعلقة بالإيمان بشخصية عليا. فأن «نتذكر» أن نكون «يهودا» لدى غباي هو ببساطة ألا نبدو كليبراليين جدا، إذ أن هذا يزعج الناس.
من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن غباي لا يعمل في فراغ، بل يرد على الفهم الضحل لليهودية على طول وعرض المكان. وجوابه في تلك الندوة هو رد فعل، مثلا، على المواعظ الأسبوعية التي يقولها ليئور شلاين في برنامج «ظهر الأمة».
فشلاين، الذي يرى نفسه درعا للعلمانية المتنورة توقف منذ زمن بعيد عن التمييز بين كفاحه المهم والشرعي يقينا للتدين والرفض التام لليهودية كمعتقد.
وكذا الكوميدي تام أهرون، مثلا، كتب في مجلة «ليبرال» إن الطريق إلى التلاوة من ناحيته هو «نفتحه، ثم نغلقه ونذهب لتلاوة النص الذي كتب في المئة سنة الأخيرة». إذا كان هذا هو المعيار، فشائق أن نعرف ماذا سيكون مصير مسرحية شكسبير.
كلاهما يعبران عن الانطواء الذي توجد فيه ذات الطفولية التي أجريت لليهودية من الطرف الآخر من المتراس. فعندما قال رئيس الوزراء للحاخام كدوري ما قاله، فقد كان يتحدث عن أن اليسار «يفكر باعطاء أمننا ليكون في أيدي العرب». بمعنى أن يهودية نتنياهو هي بشكل عام موقف أمني ـ سياسي واحد ووحيد. وبذات القدر، فإن استخدام وزير التعليم لمفاهيم مثل «اللاسامية الذاتية» ضد النقد يستهدف منح معسكره الحصرية على اليهودية وإبقاء معارضيها في الخارج.
اليهودية، على أي حال، تحولت من هُوية مركبة، عاصفة ودينامية إلى رهينة لنقاش عقيم وسطحي، محمل بالديماغوجية ومفعم بالتوافه. هذا صراع متهكم لا «يتذكر» فيه أحد أو «ينسى» ماذا يعني أن نكون يهودا ـ وبالمناسبة، يسقط على الطريق 20 من مئة من مواطني إسرائيل. كل القصة هي معركة بين رجال تسويق خبراء على قلب الجمهور، الذي يعتبرونه رعاعا من الرجال الآليين ممن يحركون بمجرد القاء خرقة صلاة على كتفه.
وإذا كان ثمة خيبة أمل من غباي، فهذه ليس لأنه رجل مؤمن ولا بسبب أنه يتطلع إلى سحر الجمهور التقليدي. المشكلة هي أن رئيس العمل، بالضبط مثل يئير لبيد، يتبنى اللغة الاستقطابية والطفولية التي حطمت وجه اليهودية وجعلتها مجرد كتلة سياسية. وبدلا من التمرد على الفرضيات الأساس التي أملتها سنوات نتنياهو وخلدت أمة منقسمة ومستاءة، فإنه يركب عليها على أمل أن تحمله بالمجان إلى دفة الحكم. ربما يصل إلى هدفه وربما لا، ومهما يكن من أمر يخيل أن آفي غباي أيضا لن يكون هو من سينقذ اليهودية من الأسر المضني الذي علقت فيه.
يديعوت 2017-11-17
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews