الترامبية كرد فعل لعصر ما بعد الحداثة!
جي بي سي نيوز : - الجميع يضحكون، يبكون ويغطون وجوههم بأيديهم بيأس. رئيس الولايات المتحدة يشاغب وكأنه في روضة أطفال، وجميعهم يخافون على السلام العالمي. هناك محللون يعتقدون أن ترامب يرفض الاتفاق النووي مع إيران لأنه يصمم على تحطيم أي ذكر لإرث الرئيس السابق براك أوباما. وهناك آخرون، مثلما حدث في الصراع مع كوريا الشمالية، يعتقدون أن ترامب دفع إلى إخطار بسبب مزاجه الصبياني المشاكس.
في البلاد تحتفل آلة نتنياهو الإعلامية بالانتصار الكبير لرئيس الحكومة، وتولد الانطباع بأن ترامب سحر به واقتنع تماما بادعاءاته. فقط عدد قليل من الأشخاص، إذا وجدوا، يذكرون الحقيقة التي لها علاقة أكثر من غيرها بالتطورات الأخيرة وهي أن الإدارة الحالية تخشى أساسا من تداعيات تهديدات إيران على دول النفط السنّية. لهذا فإن ترامب يحتج على العيوب البارزة في الاتفاق التي تبقي السعودية (وإسرائيل) في خطر. الطريقة الوحيدة لإقناع إيران بقبول قيود أخرى على حرية نشاطها هي من خلال التهديدات.
هذا هو سبب المشهد السياسي الذي يجري أمام ناظرينا. ربما أن يؤدي إلى كارثة، كما يخشى كل من ينتقدون ترامب، وربما تقتنع إيران أن من الأفضل لها أن لا تبالغ. المقامرة ليست سهلة، لكن يبدو أن التاريخ سبق له وأثبت أن التنازل بأي ثمن تقريبا هو الذي أجل قليلا موعد الدفع، لكنه لم يؤد بالضرورة إلى نتائج أفضل. ومثلما قال تشرتشل عن فرنسا (وهناك من يقولون عن بريطانيا) عشية الحرب العالمية الثانية: «كان يجب عليها الاختيار بين الإهانة والحرب؛ وهي اختارت الإهانة وستحصل أيضا على الحرب».
منذ الحرب العالمية الأولى تفضل الديمقراطيات في الغرب اجتثاث التوترات في مهدها، التي يمكن أن تقود العالم إلى الحرب الشاملة. استراتيجيات الاحتواء وضبط النفس تشكل جزءا بارزا من هذه المقاربة، التي حققت بهذه الطريقة 70 سنة من الهدوء النسبي للعالم. وحتى المواجهة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حول أزمة الصواريخ في كوبا في 1962 أثبتت أنه عندما يصل التهديد إلى شواطئ الولايات المتحدة فإن هذه الاستراتيجية تفقد صلاحيتها. إن عودة ترامب إلى النماذج القديمة المتمثلة بالتصريحات العلنية عن مواجهة عسكرية، تخيف بدرجة كبيرة العالم، لأن معظم الدول الغربية تؤمن بأنه حتى إذا اصبحت إيران دولة نووية وابتلعت السعودية (أو إسرائيل)، وإذا قامت كوريا الشمالية بابتزاز وتهديد كوريا الجنوبية واليابان ـ فإنه لن يحدث لهذه الدول أي شيء. فهي توجد بعيدا عن تلك الصراعات المحلية. بسبب ذلك فإن الشيء المهم هو منع الخلافات الدولية التي ستجرها برغم أنفها إلى الحرب.
من الواضح أن ترامب لا يلعب حسب هذه القواعد. الافتراض لدى معظم المحللين هو أن التصرفات المشاكسة تجتث كل معنى عقلاني في تصرفاته، وتضعه تهديدا دوليا فقط. ولكن من اعتادوا على مدى عشرات السنين على خطاب هدفه الخفي الأساسي هو الدفاع عن الغرب الثابت، حتى بثمن جرائم غير محتملة في الهوامش، لا يخطر ببالهم أن هناك خطا متطرفا واضحا، يوجهه، ولا يرتبط بمواقف الجمهوريين أو الديمقراطيين.
ترامب يرى نفسه بصورة واضحة مندوب الجماهير، وانتخب لمنصبه من أجل تحطيم أنظمة الكذب الاجتماعية والسياسية المتفق عليها، التي سيطرت على العالم منذ الحرب الباردة. ترامب ومن يؤيدوه يريدون العودة إلى العالم الذي يحدد بصورة واضحة الشر، غير المستعد للتسليم بوجوده. رد الفعل على ما بعد الحداثة وعلى الخطاب المشوه الذي نما في أعقابه، يسير إلى الأمام.
هآرتس 2017-10-17
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews