Date : 26,04,2024, Time : 09:54:54 PM
3643 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الاثنين 04 محرم 1439هـ - 25 سبتمبر 2017م 12:47 ص

عن أممنا الحديثة التشكّل والسريعة العطب والقديمة الجذور

عن أممنا الحديثة التشكّل والسريعة العطب والقديمة الجذور
وسام سعادة

لقيَ كتاب المؤرخ الإسرائيلي المناوىء للصهيونية شلومو ساند «كيف تم إختراع الشعب اليهودي؟» (الصادرة طبعته العبرية عام 2008 والإنكليزية بعدها بعام، ثم كرّت سبحة الترجمات) قدراً معتبراً من اهتمام قراء العربية والتركية عندما صدرت الترجمة بهاتين اللغتين، ولو أنّ الإستقبال العربيّ أو التركيّ له عزله تماماً عن سياق المناظرة والمساجلة حول الكتاب في اسرائيل أو في الغرب، وردّه إلى أدبيات «دحض مزاعم الصهاينة التوراتية والتلمودية» الشائع تداولها في هاتين اللغتين، وهي أدبيات «تقميشية» تجمع ما بين افرازات اللاسامية الغربية ونظرية المؤامرة، وبين استجماع التوترات ضد اليهود في دهاليز كتب التراث والتوق إلى أساطير بديلة، في حين أن مرمى شلومو ساند كان مختلفاً تماماً عن هكذا أدبيات زجّ كتابه من جملتها، بشكل أو بآخر، في أسلوب استقباله عند كثيرين.
ما فكّكه ساند هو أسطورة وجود «شعب يهودي» من الأساس، كذات جمعية قومية على مدار التاريخ، وما شدّد عليه هو أنّ اليهودية شاعت بين أقوام في حوضي البحر المتوسط والبحر الأسود بالاعتناق أساساً (ولو أنّه لم يوفّق في التمييز بين اعتناق المعتقد وبين اعتناق المعاش)، وليس بصلة دم متواصلة على امتداد الأعوام من المملكة الداودية إلى اليوم، وأنّ تغليب النظرة إلى يهود أوروبا كقوم يمتلكون خواص أمّة قومية لم يحدث إلا في نهاية القرن التاسع عشر.
في مقابل هذا الروّاج لترجمة شلومو ساند، ولو كان بـ»عائق استقباليّ» من هذا النوع، لم تشعر النخب المهتمة بالتأريخ عربياً، أو تركياً، أو كردياً، أو إيرانياً، أو أرمنياً، أو أذريّاً، أنّها معنية بالبحث «التاريخي النقدي» حول تشكّل أممها. 
ظهرت بالطبع، مطارحات نقدية إزاء الفكر القومي، ككل، أو في جزء من نتاجاته ونتائجه، وبالشكل الذي انتشر فيه بين هذه الأمم. حملت هذه المطارحات معها الغث والثمين، ما بين اطلاق العنان لنزعة كره الذات أو انكارها (وعدم التمييز بين القومية التي لا غنى عنها لأي ديمقراطية قابلة للعيش، وبين الأولترا- قومية المناوئة بتعريفها للديمقراطية) وما بين التسديد على القوالب الأسطورية والأيديولوجية التي أسرت هذا الفكر القوميّ وجعلت منه الشاحن للاستبداد، وتأليه الحكام، وتبديد الثروات، وظلم الأقليات، في مرحلة ما بعد انكفاء الاستعمار. 
ما لم يحدث هو الانطلاق من «نقد الفكر القومي» لكتابة التاريخ القديم والوسيط نفسه على قاعدة التمييز بين هذه الأمم الظاهرة حديثاً، في فترة تفسّخ الإمبراطوريّة العثمانيّة، وبين «ما قبل تاريخ» هذه الأمم في الفترة ما قبل الحديثة، ما قبل العثمانية. فكتابة «تاريخ العرب (منظوراً لهم كأمة) منذ الجاهلية (أو حتى منذ نبوخذ نصر، على رأي صدام حسين) إلى اليوم»، أو «تاريخ أرمينيا (كأمة) منذ مملكة البيناش إلى اليوم» أو «تاريخ الكرد (كأمة) منذ الميديين القدماء إلى اليوم»، أو «تاريخ المصريين (كأمة) منذ الفراعنة إلى اليوم» أو «تاريخ الأذربيجانيين (كأمة) منذ اتروبات إلى اليوم»، أو «تاريخ الأتراك (كأمة) منذ الطورانيين (أو منذ الحثيين، حسب الهوى الأيديولوجي)» إلى اليوم، هي بحد ذاتها تمارين خروج المنهجيات الصالحة للتأريخ، إلى حيث ابتداع ملاحم تاريخية قومية (وإلى حيث عرقلة التأريخ لكل من تاريخ ظهور هذه الأمم، وتاريخ نشوء حركاتها القومية). 
لكل من هذه الأمم الحديثة (المتفاوتة التحقق القوميّ والدولتيّ إلى اليوم فيما بينها)، جذور اثنية وسردية ممتدة في القدم، لكن تناول هذه الجذور كما لو كانت هي نفسها «الذات القومية» العابرة للتاريخ، هو بحد ذاته منزلق معرفيّ، وأيديولوجيّ، وسياسيّ، يكلّف غالياً، وما زال يكلّف دماً. 
الحديث عن عرب وترك وكرد وكرج وأرمن وأذريين في العصور القديمة والوسيطة كروابط قبلية وأقوام وممالك ليست لها أوطان ثابتة، أو كأنسجة في إمبراطوريّات ليست لها هوية قومية، بخلاف المفهوم الترابيّ للدولة الأمة، القائمة أو المرغوب بقيامها، هو غير الحديث عن هذه الأمّم في فترة «القومنة» المتتابعة للجماعات التي كانت تشكّل النسيج الهرميّ، والتعدّدي، والعشوائيّ، في آن، للزمن العثمانيّ (وامتداده الصفوي ـ القاجاري). 
هي أمم حديثة التشكل، بالتتابع الزمنيّ، ومحاكاة بعضها البعض، والتفاوت في حيّز التشكّل. لكنها أيضاً أمم يصعب عليها التأليف، معرفياً أو سياسياً، بين «قدم جذورها» وبين «سرعة العطب» في الزمن الراهن. 
ليست المشكلة في أن تنهض لهذه الأمم حركات قومية تعمل على النهوض الثقافي الحضاري الصانع للذات الجمعية، وتحقيق مصير شعوبها، إنّما المشكلة في «البعث»: في اعتبارها أمماً موجودة منذ فجر التاريخ، لا تنتظر سوى التحرّر والتوحّد في عصرنا، لبعث «عصر ذهبيّ» آن الأوان للعودة إليه. 
في هذا المضمار، يقتضى الاعتراف بأنّه، طالما لا يزال باستطاعتنا الحديث عن أوطان عربية أو كردية أو تركية أو أرمنية منذ العصور القديمة، فإننا لم نجار شلومو ساند. أن يكون ساند قد عكف على تفكيك أسطورية مقولة «الشعب اليهودي» العابر للتاريخ، اقتراناً مع تفكيكه للإطروحات الصهيونية، في حين أنّ الأمم التي نتحدّث عنها «بلديّة»، وغير استيطانية، فهذا لا يبدّل في الأمر شيئاً كثيراً في هذا المجال. ليس هناك أي أمّة قومية عابرة للتاريخ كلّه. وليس هناك وطن جغرافي محّدد المعالم منذ آلاف السنين لا ينتظر سوى التوحّد على أيامنا. الأمم القومية ظهرت مع الحداثة، مثلما أنّ الحداثة قومية وبإمتياز، قبل أن تكون كوزموبوليتية وكونية، وما زالت على هذه الحال، ولو في مرحلتها الراهنة سواء: «ما بعد الحداثة» أو «الحداثة المتأخرة» فيها كلّ شيء إلا التجاوز الشامل للفكرة القومية. 
واليوم تحديداً، كثير من التشنّج على خلفية الإستفتاء في كردستان العراق ما زال يتربط بواحد من أمرين. فمن جهة، خطابات غير قادرة على استيعاب أنّها كلّها بالمعنى القوميّ للكلمة، وبحاجتها للكيانية الترابية المحدّدة، هي أمم حديثة، لم تكن لا على الخاطر ولا على البال، بالنسبة للأمم العربية والتركية والكردية والأرمنية والأذرية قبل نهاية القرن التاسع عشر (وحتى يومها بمضمون مختلف كثيراً عن ذاك الذي تقصّدته في فترة ما بعد زوال السلطنة العثمانية نهائياً). ومن جهة ثانية، خطابات غير قادرة على فهم أنّ القوميّات ليست موضة زائلة، أو أفعال تآمرية بلا جذور، وأنّ الأمم القوميّة، الترابيّة، الدولتيّة، ما زالت الشكل الأساسي للهوية، وللسياسة، بل للحياة والموت، على كوكب الأرض.

القدس العربي  2017-09-25




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد