Date : 29,03,2024, Time : 01:29:52 AM
4632 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الخميس 29 ذو الحجة 1438هـ - 21 سبتمبر 2017م 12:22 ص

الإسلام السياسي ومحاربة الحداثة في تونس

الإسلام السياسي ومحاربة الحداثة في تونس
إبراهيم بن مراد

الموضوع الذي شغل الناس هذه الأيام هو ما حدث للسيدة فائزة السويسي المعلمة بالمدرسة الابتدائية بحي البحري في صفاقس الجنوبية.

والحدث -حسب رواية السيدة السويسي نفسها لجريدة الصباح- يتمثل في أنها فوجئت يوم الجمعة 15 سبتمبر الجاري”بتجمهر عدد من الأولياء أمام المدرسة (…) وكان من بين المتجمهرين (…) عدد من الملتحين، وبعد أن دلفتْ من المدرسة تعالت الهتافات الغاضبة من خارج سور المدرسة تذكُرُها بالاسم وتطالب بأن لا تدرِّس أبناءهم”، وقد نعتها بعض الأولياء بأنها “معلمة كافرة وملحدة لأنها تعمد إلى غلق نوافذ قاعة الدرس عند صلاة الجمعة”.

وقد تكرر اعتراض الأولياء عليها يوم الاثنين 18 من الشهر الجاري رافضين أن تدرّس أبناءهم. وكانت مواقف الرفض هذه المرة عنيفة إلى درجة أوجبت تدخل الأمن وإيقاف بعض المحتجين الغاضبين وإرجاع المعلمة إلى قسمها، بعد أن ندد بالاعتداء العنيف عليها عددٌ كبير من المثقفين ومن مكونات المجتمع المدني ووزارة التربية التي لم يُظْهر ممثلها -المندوب الجهوي للتربية بصفاقس 1- موقفا حازما في نصرة زميلته ضدّ هجمة التكفير التي تعرّضت لها، بل إنه برّر الاعتداء عليها بأن اتّهمها “بالاضطراب النفسي”.

وإذا كان يوم 15 سبتمبر الذي هوجمت فيه هذه المعلمة هو يوم العودة المدرسية فذلك يعني أن النية مبيتة ضدها قبل بداية السنة الدراسية.

وخلاصة ما حدث إذن أن أولياء من ذوي الميول الإسلامية الإخوانية المتطرفة يعترضون على وجود معلمة في إحدى المدارس ويريدون منعها من تدريس أبنائهم لأنها كافرة ملحدة، وعلامة كفرها وإلحادها أنها تغلق النوافذ عند صلاة الجمعة.

وإذا علمنا أن طقوس صلاة الجمعة تستغرق قرابة الساعة لأنها تشتمل على قراءة القرآن الكريم والأذان للصلاة وإلقاء الإمام خطبتيْه، وأن كل هذه الطقوس تتم باستعمال مكبرات الصوت التي تفسد على المعلم والأستاذ درسهما وخاصة إذا كانت المدرسة أو المعهد قريبين من الجامع، إذ يستحيل على تلاميذهما سماعُهما كما يستحيل عليهما سماعُهم، تبين لنا حجم المعاناة التي يلقاها المربي وتلاميذه بسبب صلاة الجمعة. وليست تلاوة القرآن والدعوة إلى الصلاة وخطبة الإمام هي التي تزعج وتفسد على المربي درسه، بل هي مكبرات الصوت التي تغزو حاسة السمع فتفسدها.

وأنا أقول هذا عن تجربة: فقد عرفتُ هذه الظاهرة في أوائل السنوات السبعين من القرن الماضي، عندما كنت أستاذا في المعهد الثانوي بباب الخضراء الذي لا تفصله عن الجامع إلا ساحة باب الخضراء.

ولم يكن أمامي من حل إلا إغلاق بلور النوافذ ليتمكن التلاميذ من سماعي وأتمكن من سماعهم. ولم يثر هذا، في ذلك الوقت، مشكلا لي أو للإدارة لأن الملتحين من أتباع حسن البنا وسيد قطب ما زالوا لم يظهروا بعد.

ولا شك أن الأولياء المحترمين من أصحاب اللحى الذين عنفوا السيدة السويسي يريدون منها أن تفتح وقت الصلاة وما تبعها نوافذ القسم كلها، ليعوض التلاميذ الدرسَ بسماع القرآن وسماع خطبة الإمام لتزداد قلوبهم إيمانا وعقولهم خشوعا وطاعة، فذلك أهم وأولى من أن تُدرِّس لهم المعلمة مسألة في الحساب أو أن تفسر لهم نصّا أو أن تعلمهم قواعدَ النحو والصرف أو أن تقدم لهم درسا في الإيقاظ العلمي، لأن هذه الدروس كلها قد تكون مدعاة إلى إفساد عقولهم وزرع بذور الشك والريبة فيها، بينما الاستماع إلى القـرآن يتلى وإلى الإمام يخطب ويعظ يقربهم من الله زُلْفى؛ بل لعل هؤلاء الأولياءَ يبتغون أن تعامَلَ المدارسُ أثناء صلاة الجمعة معاملة المحلات التجارية التي تُهْجَر عملا بقوله تعالى في سورة الجمعة “يا أيها الذين آمنوا إذا نودِيَ للصلاةِ منْ يومِ الجمعة فاسْعَوْا إلى ذكر الله وذَرُوا البيعَ ذلكم خير لكم”؛ بل لعلهم يعترضون على وجود المعلمة ذاتها في المدرسة لأنها أنثى والأنثى عورة مثيرة للفتنة وينبغي لها لذلك أن تلازم بيتها لتقوم بوظائفها التي حددها لها شيوخ الإسلام السياسي، وما يقوّي هذا الاحتمال أن السيدة فائزة السويسي نشِطة في جمعية النساء الديمقراطيات بصفاقس ومن المناضلات فيها؛ بل لعلهم يريدون في نهاية الأمر أن تغلِق المدارس الوطنية المدنية أبوابها وأن تصبح كتاتيب أو فروعا زيتونية لا يعلم فيها إلا ما له علاقة بالكتاب والسنة.

وهذا ما ينشده الإسلام السياسي منذ ظهر في تونس في السنوات السبعين من القرن الماضي ثم بعد أن حل ركبه بيننا وفرض نفسه على التونسيين باسم الديمقراطية.

ووقوع حدث تكفير المعلمة السيدة السويسي في صفاقس يلفتُ في الحقيقة النظر: فليس هو الحدث الأول التي يقع فيها ويظهر فيه أثر الإسلام السياسي، ونذكر من هذا النوع من الأحداث ثلاثة أخرى: الأول يتمثل في الاعتصامات والاحتجاجات التي اندلعت خلال شهري أكتوبر ونوفمبر 2015 وقادتها منظمة عمالية أنشأتها النهضة أيام حكم الترويكا هي المنظمة التونسية للشغل تضامنا مع إمام جامع اللخمي المعزول، وقد تعطلت صلاة الجمعة بهذا الجامع لمدة أسابيع، والإمام المعزول كان معروفا بمشاركاته في المظاهرات المناصرة لحكومة الترويكا ولحركة النهضة خاصة، وكان حسب شهادة نواب في البرلمان ووزارة الشؤون الدينية ذا خطاب تكفيري متشدد، وقد علقت به بعض قضايا الفساد المالي، لكن الحماية التي ما انفك يلقاها من الإسلام السياسي قد أنقذته.

والحدث الثاني يتمثل في ما أثير حول مسرحية “ألهاكم التكاثر” من احتجاجات وتهديد واعتداء بالعنف الشديد على المخرج نجيب خلف الله.

وقد انطلقت القضية من صفاقس بنشر الإمام المعزول ذي العلاقة بالحدث السابق نصا على موقع فيسبوك في شهر فبراير من العام 2016 اعتبر فيه اقتباس عنوان المسرحية من القرآن عملا خطيرا وغير أخلاقي وطالب بتدخل النيابة العمومية والقضاء ونواب الشعب. وقد تحركت بعد هذا الآلةُ الاحتجاجية الإسلامية التي قادتها نقابة الأئمة التابعة للمنظمة التونسية للشغل التي قادت الاحتجاجات على الحدث السابق.

والحدث الثالث أخطر من الحدثين السابقين لأنه يمس حرمة البحث العلمي في الجامعة التونسية، ويتمثل في قبول “لجنة الأطروحات والتأهيل” في المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس موضوع أطروحة دكتوراه سنة 2011 سجلته طالبة تحت إشراف أحد أساتذة المدرسة، تريد به إعادة النظر في نظرية دَوَران الأرض حول الشمس باعتبار الشمس هي المركز، لتثبت أن الشمس هي التي تدور حول الأرض باعتبارها المركز، ويتبع هذا بالطبع “حقائق” أخرى منها استقرار المركز أي الأرض وثباته، وتسطيحه عوض كرويته فتكون الأرض بذلك مسطحة غير كروية.

ومثل هذا العمل يندرج في ما يعرف بـ”الإعجاز العلمي في القرآن”، ويدافع عن مقولات علماء الدين القدامى الذين يفسرون آيات القرآن الكريم حسب دلالاتها الظاهرية، ولكن الأستاذ المشرف على الأطروحة قال، في سياق الدفـاع عنها وعن صاحبتها، إن الطالبة شجعها باحثون أميركيون قد أرسلوا لها نشريات كثيرة تؤيد فرضية موضوع البحث.

وقد تبين من بعد أن هؤلاء الأميركيين الذين أيدوها ينتمون إلى “المحافظين الجدد” المهووسين بإحياء التراث الفكري التوراتي والإنجيلي، فهم إخوان جماعتنا أتباعِ الإسلام السياسي.

وبعد إيداع الطالبة أطروحتها وإثارتها للانتقاد أصدرت وزارة التعليم العالي بيانا حول المسألة يوضح أن التحريات التي قامت بها الإدارة العامة للبحث العلمي بالوزارة بالتنسيق مع جامعة صفاقس قد أثبتت وجود “إخلالات إجرائية فادحة انجر عنها إيداع الأطروحة محل الجدل”، وأن “لجنة الأطروحات والتأهيل في هندسة المحيط والتهيئة” في جامعة صفاقس قد اجتمعت في بداية أبريل 2017 “إثر ورود التقريرين التقييميّين السلبيين للأطروحة المذكورة وقررت الرفض النهائي لهذا البحث ولكل الأعمال المنشورة في إطاره بناء على الإخلالات الفادحة في المنهجية والأخلاقيات العلمية”؛ وبهذا الموقف العلمي الصارم تكـون وزارة التعليم العالي قـد أعـادت للبحث العلمي حرمته، وللجامعة التونسية هيبتها.

تلك إذن أربعة أحداث جدت في مدينة صفاقس بين 2015 و2017 ولا يخفى دور الإسلام السياسي فيها. والأحداث الأربعة ذات صلة بمحاربة الحداثة ومظاهرها.

أما تكفير المعلمة فيندرج في محاربة مدْرَسَة الجمهورية الحداثية التي أنشأتها دولة الاستقلال وكانت طيلة عقود مفخرة التونسيين جميعا.

وأما تعطيل صلاة الجمعة لأسابيع في أحد الجوامع احتجاجا على عزل إمام متحزّب ذي خطاب تكفيري متطرف فانتصار للسلفية الدينية المعادية عداء ظاهرا للحداثة ومظاهرها الحضارية والفكرية.

وأما الاحتجاج على اقتباس آية قرآنية في عمل مسرحي فعمل دال على معاداة مظاهر الابتكار في الفن والفكر وعلى جهل تام بالتراث العربي الفني والأدبي.

وأما الدفاع عن الإعجاز العلمي في القرآن في عمل أكاديمي بالتشكيك في أهم النتائج الفيزيائية والفلكية التي توصل إليها العقل البشري فدعوة صريحة إلى التخلي عن الاجتهاد في العلم والانكفاء على مقولات الفقهاء والمفسرين القدامى لإحيائها وادعاء صحتها باسم البحث العلمي.

وكلها عوامل تهدد مستقبل البلاد والعباد وخاصة مستقبل المدرسة والجامعة والحريات العامة.

العرب اللندنية  2017-09-21




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد