قفزة في إصلاح الاقتصاد المصري
تثير بيانات اقتصادية حديثة عن الاقتصاد المصري، حيرة في التقويم لدى عدد من الاقتصاديين المتابعين، وتشير إلى إرتفاع رصيد النقد الأجنبي إلى أكثر من 36 بليون دولار، وهو مستوى يقارب ما كان عليه عام 2011 قبل سقوط حكم الرئيس حسني مبارك وبدء تراجع أداء القطاعات الحيوية، التي تحصد إيرادات بالعملات الحرة ومنها الســـياحة والصناعات التحويلية والنفط وقناة السويس. كما أكدت ارتفاع تدفقات الاستثمارات المباشرة إلى نحو 6.8 بليون دولار في العام المالي 2015- 2016 وكانت 4.3 بليون دولار في النصف الأول من العام المالي 2016 -2017. وذكر وزير المال المصري أن وزارته تتوقع أن تصل تدفقات الاستثمارات المباشــرة إلى نحو 13 بليون دولار في العام المالي 2017- 2018.
لا شك في أن هذه بيانات مشجعة ومثيرة للاهتمام في ظل الأوضاع السياسية والأمنية وتراجع إمكانات البلدان العربية المنتجة للنفط والتي دأبت على دعم الاقتصاد المصري من خلال المساعدات والديون الميسرة والإيداعات لدى البنك المركزي. يضاف إلى ذلك أن تحويلات المصريين العاملين في الخارج آخذة في التحسن، إذ بلغت 8 بلايين دولار من تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 إلى آذار (مارس) 2017. وبموجب تقرير البنك المركزي المصري فإن التحويلات زادت 964.8 مليون دولار، مقارنة بالفترة ذاتها من السنة المالية السابقة.
البيانات المشار إليها إيجابية وربما بدأت الإصلاحات المالية والإقتصادية التي اعتمدتها الحكومة تحقيق مثل هذه النتائج. ومن تلك الإصلاحات تعويم سعر الجنيه المصري ورفع القيود على تحويلات الشركات والمستثمرين الأجانب ورفع الدعم عن سلع وخدمات عدة من أهمها الوقود وضبط الاستيراد السلعي وتشجيع الطلب على المنتجات المحلية الصنع. لكن مقابل ذلك هناك معلومات قد تثير القلق ومنها ارتفاع حجم الدَين الخارجي إلى 67.3 بليون دولار وبنسبة 40 في المئة خلال عام واحد. وقد أفاد البنك المركزي المصري بأن الدَين القصير الأجل المستحق والواجب سداده قبل نهاية كانون الأول (ديسمبر) من هذا العام يبلغ 11.9 بليون دولار. وليس هناك من ضير للدَين الخارجي إذا تم إنفاق الأموال في قنوات اقتصادية منتجة ومجدية تساهم في تمكين الدولة من مواجهة استحقاقات خدمة الديون. ولذلك فإن تأكيد الحكومة المصرية على إنفاق جل الأموال في مشاريع رأسمالية إستراتيجية مثل مشاريع البنية التحتية والصناعات التحويلية ذات الميزات النسبية قد يوفر نسبة من الاطمئنان. بيد أن هناك أموالاً مهمة سوف توجه لتمويل العجز في الموازنة ولحساب الإنفاق الجاري. إذاً ما زال هناك ضرورة لترشيد الإنفاق الجاري، خصوصاً ما يتعلق بالدعم السلعي والتوظيف في الدوائر والمنشآت الحكومية. تضاف إلى ذلك أهمية السيطرة على الفساد الإداري ورفع كفاءة عمليات تحصيل الضرائب وحقوق الدولة على الشركات والمواطنين.
تطرق تقرير البنك الدولي عن الاقتصاد المصري إلى أن معدل النمو في الربع الأول من السنة المالية الجارية قد تراجع إلى 3.4 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من السنة المالية السابقة حيث بلغ 5.1 في المئة. وتفرض هذه البيانات ضغوطاً على الإدارة الإقتصادية لتشجيع المستثمرين والمؤسسات الدولية لتعزيز استثماراتها وأعمالها في مصر. وتمثل عملية التوظيف أهمية اقتصادية أساسية بعد أن بلغ معدل البطالة 12 في المئة، وبعما تراجعت مستويات المعيشة وارتفع معدل التضخم. لذلك لا بد من العمل على تسهيل عمليات الاستثمار الأجنبي وتشجيع الشراكة بين القطاع الخاص المصري والمؤسسات الأجنبية من أجل إنعاش أوضاع الصناعات التحويلية والتي تأثرت سلباً بعد «ثورة 25 يناير» 2011. هذه الصناعات ستكون أساسية في التشغيل والتوظيف وتوفير السلع البديلة عن المستوردات وفي الوقت ذاته المساهمة في رفع إيرادات التصدير. أما القطاع السياحي والذي يمثل أهمية كبيرة في تحصيل عائدات النقد الأجنبي، فهو أيضاً يوفر الوظائف للعيد العاملة المصرية ويغزز نشاطات قطاعات خدمية وسلعية عدة في مصر.
يعتبر الإقتصاد المصري من دون شك مهماً لهذه المنطقة من العالم ويمكنه، إذا ما توافر الإستقرار، تحسين أوضاع الملايين من أبناء الشعب المصري الذي تجاوز تعداده الـ95 مليوناً. ولا بد من الإقرار بأن مشوار الإصلاح وتحسين الأوضاع الإقتصادية في مصر بدأ وقد يكون طويلاً.
الحياة 2017-09-21
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews