Date : 28,03,2024, Time : 04:28:58 PM
5829 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الاثنين 26 ذو الحجة 1438هـ - 18 سبتمبر 2017م 12:40 ص

من أجل مصر

من أجل مصر
عبد الحليم قنديل

قد لا أحب عمرو موسى، أقصد أنني اختلف معه بأكثر مما اتفق، لكن الرجل الثمانيني أطلق تصريحا صحيحا جدا، وقال إن الترشح للانتخابات الرئاسية ليس «ذنبا عظيما» يستحق صاحبه التشهير، وهو كلام في محله تماما، فلا قيمة كبيرة لانتخابات رئاسية بدون متنافسين أقوياء، وإلا فقدت طعمها وطمست تعدديتها، وظلمت أول ما تظلم الرئيس السيسي نفسه. 
وقد يحسب المتحمسون لحملات التشهير أنهم يحسنون صنعا، وأنهم يخدمون الرئيس السيسي، ويبعدون أي مرشح قوي عن طريق منافسته، وهذا كلام عظيم البؤس، تنبه الرئيس السيسي نفسه مبكرا إلى خطورته، وطالب وسائل الإعلام بوقفه في آخر حديث أجراه مع الصحف الحكومية، وطلب إتاحة المجال للراغبين في الترشح، فهم يمارسون حقا دستوريا مقررا، وبوسع من يستوفي الشروط، أن يدخل إلى السباق، وأن يعرض نفسه وبرنامجه على جمهور الناخبين، وأن يضفي على الانتخابات الرئاسية حيوية تستحقها مصر. 
وقد لا يكون من جدال كبير في توقع النتائج هذه المرة، فلا يفصلنا عن موعد الانتخابات سوى بضعة شهور، والمؤشرات كلها ترجح فوز الرئيس السيسي بدورة ثانية وأخيرة، مدتها أربع سنوات، بعد أن تراجعت نسبيا هوجة تعديل الدستور، واقتراحات مد فترة الرئاسة إلى ست سنوات أو أكثر، وحسنا أن جرى التراجع، ونأمل أن يكون نهائيا، فالرئيس السيسي لا يحتاج إلى إساءة إضافية، وشعبيته تأثرت سلبا بالمضاعفات الاجتماعية لما يسمى برنامج الإصلاح الاقتصادي، وبإجراءات تقييد الحريات العامة، لكن الرجل على تناقص شعبيته، لايزال في وضع أفضل من منافسيه المحتملين، وغالبهم قد يكون قريبا من معنى الفلول الفاقع، وخصومتهم للثورة ظاهرة مباشرة، بينما أنصار الثورة في أحوال تيه ظاهر، وضلوا عن هدف وواجب بناء حزب جامع ينتصر للثورة اليتيمة، واكتفوا بمشاغبات واعتراضات بالقطعة، تخلط أوراقهم مع غيرهم، وهو ما قد يؤدي إلى مشهد انتخابي في صالح السيسي بامتياز، فالمنافس القوى المحتمل، قد يكون قريبا من الإخوان أو الفلول، أي قد يكون على يمين سياسة السيسي لا على يسارها، وهو ما قد يضيف بريقا وجاذبية لتفضيل اختيار السيسي، الذي انخفضت شعبيته قياسا إلى ما كان، لكنه لا يزال في الموقع الأقوى شعبيا، فالشعبية التي تذهب عن السيسي، لا تذهب إلى أحد غيره، ربما بسبب هزال الحياة الحزبية في البلد، والمخاوف من مخاطر الإرهاب، وموت السياسة لصالح مباريات المقارنات الشخصية. 
لا خطر إذن على فوز السيسي مجددا، لكن الخطر في مكان آخر، هو أن نصبح بصدد لعبة بغير لاعبين، وألا يتقدم للانتخابات منافسون عليهم القيمة، لا من الثورة المضادة ولا من معسكر الثورة نفسها، وهنا تتحول الانتخابات إلى مجرد استفتاء وتحصيل حاصل، ويعطى الناس ظهورهم للقصة كلها، وتتراجع نسب التصويت إلى حدود مخجلة، والرئيس السيسي نفسه يدرك هذا الخطر، وعبر عن تخوفه من غياب الناس في مؤتمر الشباب الأخير بالإسكندرية، ودعا الناس إلى النزول بكثافة في الانتخابات، واختيار من يريدون، فيما تجنب الرئيس الإعلان الصريح عن ترشحه شخصيا، وإن كان مفهوما أنه سيفعلها، وبثقة في الفوز معلومة الدواعي، يعززها وجود مرشحين أقوياء آخرين، لا مبادرة البعض إلى التشهير الفوري بأي شخص يرفع إصبعه، ويوحي بنيته، وكأن الترشح للرئاسة صار إثما مبينا، ومن الذنوب الكبائر المنهي عنها شرعا. 
ونتصور أن الرئيس السيسي يدرك خطر العزوف العام، وأن عليه مسؤولية توقيه، وتحسين البيئة والشروط العامة للانتخابات الرئاسية المقبلة، ليس فقط بالرجاء من وسائل الإعلام، ولا بطلب وقف التشهير، فهو يملك ما هو أكثر من الرجاء والطلب، ومن حق الرئيس ـ طبعا ـ أن يشرح إنجازاته، وأن يعد باستكمالها في فترة رئاسية لاحقة، وقد كان الرجل جريئا، حين خاطر بشعبيته، وفضل فعل ما تصوره صحيحا في الاقتصاد بالذات، وهو يتوقع تعافيا أفضل بعد المعاناة الشعبية المفزعة، وقد تؤيد أو تعارض، وبدون توقعات درامية، فاحتمالات الفوز الرئاسي محجوزة لصالح السيسي، لكن الرجل في وضع مختلف عن مجرد كونه المرشح الأقوى، فهو الرئيس الموجود في السلطة قبل الانتخابات ووقتها، وهو المسؤول سياسيا عن ضماناتها، لا نقصد فقط ضمانة الإجراءات ونزاهتها، فهذه مهمة الهيئات المقررة دستوريا، وما من إمكانية للتلاعب بالتصويت، فلم يجر أي تزوير إجرائي لأي انتخابات جرت بعد الثورة، وهذه واحدة من المكاسب القليلة المتيقنة، قد يضاف إليها الالتزام الجازم بمدد الرئاسة المنصوص عليها في الدستور، وقد أكد الرئيس السيسي التزامه بها غير مرة، وقال إنه لن يبقى يوما واحدا في الرئاسة بعد نهاية المدة، ونتوقع أن يبادر الرئيس السيسي بردع كل تصرف مخالف في الخصوص، وإن كان عليه فيما نتصور، أن يبادر إلى إجراءات أخرى عاجلة، تتخطى واجب ردع إعلام التشهير، إلى إلزام كافة أجهزة الدولة بالحياد المطلق، وإتاحة فرص إعلامية متكافئة لكافة الراغبين في الترشح، وتفكيك الاحتقان الراهن، وبعث الحماس في نفوس الناس المحبطين، بالتصفية الحاسمة لامبراطورية الفساد والنهب العام، وعدم الاكتفاء بحملات الرقابة الإدارية المميزة، والتعجيل في استرداد عوائد الأراضى المنهوبة المستردة، وإعلان الحصيلة علنا على الرأي العام، ووقف المصالحات المالية الملتبسة في الكواليس، ووقف برامج الخصخصة وإلغاء ما تبقى من الدعم، وإقرار نظام ضريبي عادل، وفرض نظام الضرائب التصاعدية، ومضاعفة الحد الأعلى للضريبة، وردع تهرب الكبار من الجمارك والضرائب، الذي يضيع على الخزانة العامة أكثر من 400 مليار جنيه سنويا، وإعلان الاتجاه لتصنيع البلد كطريق أساسي للنهوض، فالتصنيع وحده، هو الذي يخلق فرص عمل دائمة منتجة لملايين العاطلين، وليس إنفاق التريليونات في أعمال المقاولات والإنشاءات وحدها، والمطلوب فيما نتصور، إحداث توازن بين البنية الأساسية والبنية الصناعية، ودمج تطور الصناعات الحربية مع الصناعات المدنية، وإنهاض قطاع دولة قائد في التصنيع، يلعب دور قاطرة تقود الاستثمارات المحلية والأجنبية، مع تحفيز القطاع الخاص الصناعي أولا، وقد جرى ويجري شيء من ذلك، لكن كملمح جانبي، وليس كاختيار نهائي، وغلبت السياسة القديمة نفسها حتى الآن، وإعادة تجريب المجرب المخرب من روشتات «صندوق النقد الدولي» وأخواتها، وهو ما زاد من فواتير الديون الخارجية إلى حدود خطرة، فوق مضاعفة دواعي الظلم الاجتماعي، وتحميل الفقراء والطبقات الوسطى تبعات الاقتصاد المنهك، والإيحاء بتحسن مؤشرات اقتصادية عامة، لا يلمس الناس لها أثرا في حياتهم اليومية، بل يطحنهم الغلاء المتوحش، والزيادات الفلكية في رسوم وأسعار الخدمات العامة، وهو ما يملأ النفوس بالغضب، ويقعد الناس عن أي حماس للشأن العام، ويضاعف من مخاطر اللامبالاة المتوقعة بالانتخابات الرئاسية، ويهدد بتحويلها إلى حدث لا يلتفت إليه أحد، فالناس لا تذهب إلى الصناديق بمجرد النداء والتحفيز الصوتي، بل يذهبون إليها التماسا للجدوى والأمل الأفضل. 
وبالطبع، هناك قضايا إجماع وطني في مصر اليوم، من تعظيم قوة الجيش، إلى مشروع الضبعة النووي، إلى أولوية الحرب الجارية ضد جماعات الإرهاب، والمقصود بالإجماع هنا، ليس غياب أصوات تناقش في المسلمات، بل وجود تيار شعبي جارف يدعم ويؤيد، لا يتخلف عنه معارض وطني، يعطي الأولوية لبناء ركائز الاستقلال الوطني، وهو ما يفسر السلامة النسبية لاختيارات السياسة المصرية عربيا وإقليميا ودوليا، بينما تبدو الصورة في اختيارات الداخل مختلفة، وقد ولدت احتقانا اجتماعيا واقتصاديا، قد يكون تفكيكه مما يزيد من حماس الذهاب لصناديق الانتخابات الرئاسية، تماما كالأثر المطلوب من تفكيك الاحتقان السياسي، وتحجيم التغول الأمني، ورد الاعتبار للحريات العامة، وإنهاء المظالم المتراكمة، وجبر ضرر الضحايا، والتفرقة الحدية بين الإرهاب والسياسة، ووضع خط أحمر فاصل، يذهب به الإرهابيون إلى محاكمات وقصاص عادل، ويجري استثناء المحتجزين المتهمين في غير قضايا العنف والإرهاب المباشر، وإخلاء سبيلهم جميعا، بقانون عفو عام يقترحه الرئيس، ويعود به عشرات الآلاف من المحتجزين في قضايا سياسية إلى بيوتهم وأهاليهم، وتركيز المواجهة كلها على جماعات الإرهاب، فقد يكون ذلك أدعى لبناء إجماع وطني سياسي، لا يجري فيه تجريم المعارضة السياسية، بل يجري قصر التجريم على الإرهاب وحده، وبناء علاقة أوثق بين الشعب وأجهزة الأمن، يكون الحكم فيها للقانون وحده، ويكون الشعب فيها سندا لا متفرجا ولا ضحية تغول، وفوق كون ذلك من حقوق الناس الطبيعية، فقد يدفعهم بالمرة لحماس الذهاب إلى صناديق الانتخابات الرئاسية، فافعلوها من فضلكم لأجل مصر التي تحتمل عذابا مقيما. 
واللهم قد بلغت، فاللهم فاشهد علينا وعليهم. 

القدس العربي  2017-09-18




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد