وصايا بتاح حتب للرياضة المصرية

بتاح حتب.. رئيس حكومة أحد فراعنة الأسرة الخامسة التي حكمت مصر قبل ميلاد المسيح بألفين وخمسمائة سنة.. وعلى الرغم من عمله السياسى فقد كان بتاح حتب شغوفًا بالمعرفة والتأمل والحكمة.. وأراد في النهاية أن يعلم ابنه وأبناء كل الآخرين خلاصة رحلته ومشاويره من أجل الفهم والنور والحكمة والمعرفة والعدل والخير.. فكانت وصاياه التي وصفها أستاذ التاريخ العالمى «وول ديورانت» بأنها أقدم وصايا في التاريخ.. وقد أصبح أهل الرياضة في مصر حاليا يحتاجون لوصايا بتاح حتب.. يحتاجون لحظة هدوء وإعادة حساب واستعادة ضمير وسط كل هذه الحروب والحرائق التي كادت تطول وتهدد الجميع.. وقد يكون من الضرورى التوقف أمام بتاح حتب نفسه قبل الحديث عن وصاياه.. فهذا الرجل قرر أن يستقيل من منصبه الرسمى ليتفرغ لكتابة هذه الوصايا.. وكان هذا القرار في حد ذاته هو أجمل وأهم وصاياه.. فليس المنصب والسلطة والمال أغلى ما في حياتنا إنما هو احترام الإنسان لنفسه وقراره بألا يعيش إلا الحياة التي تسعده حتى لو كانت بلا مناصب ومكاسب.. وبالفعل، لم يحفل التاريخ بأسماء وصور الفراعنة أو من تولوا رئاسة الحكومة قبل أو بعد بتاح حتب.. انحاز التاريخ فقط لمن فضل الحكمة على المنصب ومن اختار المعرفة والحكمة ورآهما أهم من السياسة والحكم.. ورغم الكلام الكثير الذي تضمنته هذه الوصايا إلا أنه يمكن اختصاره والتوقف أمام أهم ما قاله بتاح حتب.. فليس مقبولا أن يتكبر أي أحد على الآخرين سواء بسبب ثروة أو علم أو قوة.. فقد يذهب المال والقوة وتبقى كراهية الناس واحتقارهم.. وأن يجتهد كل أحد حتى لو كان عمله بسيطا وألا يشتهى أحد ما يملكه الآخرون حوله.. فهذا الاشتهاء هو السبب الأول لكل شرور الدنيا.. وقبيح هذا الإنسان الذي لا يرى ولا يهتم إلا بما يملكه الآخرون.. ومن الخطأ أن يحتقر أي أحد من هم أقل منه سواء في المكانة أو الثروة.. فالإنسان الحقيقى هو الذي لا تتغير معاملته ومفرداته وأحكامه سواء كان يكلم الملك أو رجلا فقيرا وجائعا في الشارع.. الإنسان الحقيقى ليس هو الذي يبدى اللين وشدة التهذيب أمام من هم أقوى منه، ولكنه أمام من هم أضعف وأقل منه يصبح ديكتاتورًا وأسدًا متوحشًا غاضبًا وثائرًا.. ووصية أخرى بألا يمشى أحد على هواه وينسى الناس حتى تبقى سيرته طيبة بين الناس.. ولا يمكن أن يحافظ أي أحد على سيرته طالما أصر على أن يمشى وفق هواه وحده باحثًا عن متعته ومكاسبه ورغباته دون التفات واحترام للناس.. ويؤكد بتاح حتب أن كل من لا يحب إلا نفسه، ومن لا يتبع إلا هواه، ومن لا يرى إلا صورته.. هو إنسان اختار بإرادته أن يعيش في الجحيم حتى وهو على الأرض.. والجمال والأخلاق والنبل لن يصنعها قانون، ولكن قناعة الناس أنفسهم بأنهم في حاجة إلى الجمال والأخلاق حتى تكون حياتهم أسهل وأكثر بساطة وأمانًا أيضًا.

المصري اليوم    2017-08-23