التوتر التركي - الألماني: مزايدات سياسية أم نهاية طريق؟
تصاعدت أخيراً الحرب الكلامية بين تركيا وألمانيا، بعد أن أعاقت أنقرة في منتصف تموز (يوليو) الماضي زيارة برلمانيين ألمان لجنود الجيش الألماني في قاعدة انجرليك الجوية، وقاعدة حلف الناتو في قونيا. إلا أن العلاقة زادت حدتها أخيراً في أعقاب توقيف نشطاء ألمان في مجال حقوق الإنسان، يتهمهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنهم على علاقة بمدبري محاولة الإنقلاب عليه.
وترسخ التوتر مع تصعيد الرئيس التركي عشية تجمع جماهيري لحزبه في الثامن من آب (أغسطس) الجاري من هجومه على ألمانيا عبر اتهامها بدعم الإرهاب وترويج إشاعات للتأثير على صورة بلاده في الخارج. وتصاعد منحنى الأزمة مع انتقاد وزيرة الدفاع الألمانية في التاسع من آب (أغسطس) عدول أنقرة التدريجي عن الديموقراطية وسيادة القانون. وتشهد العلاقة بين تركيا وألمانيا توتراً منذ منع برلين ساسة أتراكاً مِن القيام بحملات ترويجية لاستفتاء 16 نيسان (أبريل) الماضي، والذي حول البلاد لجهة النظام الرئاسي، ناهيك عن رفض ألمانيا تسليم أنصار حركة «خدمة»، باعتبارهم «إرهابيين مطلوبين».
وزاد التوتر مع اتهام أنقرة بالتجسس على مقيمين في ألمانيا منتمين إلى حركة «خدمة» عبر أئمة الاتحاد التركي- الإسلامي للشؤون الدينية «ديتيب»، بهدف جمع معلومات استخباراتية في شكل اعتبرته ألمانيا يسيء إلى وظيفتهم. وتعد «ديتيب» المنظمة الأكبر للجالية التركية المسلمة في ألمانيا وتتبع أنقرة مباشرة، وتدير شؤون نحو 900 مسجد وجماعة دينية في ألمانيا. وعشية زيارة المستشارة الألمانية انغيلا مركل لتركيا في الثاني من شباط (فبراير) الماضي انتقد رئيس الوزراء التركي ما سماه «سياسات ألمانيا الناعمة تجاه حركة خدمة وحزب العمال الكردستاني».
والأرجح أن العلاقات بين البلدين توترت على خلفية مصادقة نواب البرلمان الألماني في حزيران (يونيو) 2016 على قانون رمزي باعتبار مقتل «مليون ونصف المليون من الأرمن» على يد القوات العثمانية عام 1915، «إبادة جماعية».
ومع ما تقدم، يمكن القول إن الأمر لن يصل بين أنقرة وبرلين إلى حد القطيعة، فثمة اعتبارات عدة تدفعهما إلى ضرورة العمل معاً، فالثانية تراهن على تركيا في حل مسألة اللاجئين، وتحتاج أوروبا إلى تركيا للاضطلاع بوظيفتها كحائط صد في مواجهة التهديدات والتحديات التي تحاصر الاتحاد الأوروبي من بوابتيه الشرقية والجنوبية، ناهيك عن حاجة الاتحاد إلى توثيق علاقاته التجارية مع محيطه الإقليمي، خصوصاً أنه سيفقد مساهماً كبيراً بخروج بريطانيا من العضوية الأوروبية في آذار (مارس) 2019.
في المقابل، تحتاج أنقرة إلى دعم برلين للحاق بعضوية الاتحاد الأوروبي فضلاً عن حرص تركيا على تأمين الاستثمارات الألمانية في تركيا، وأيضاً حجم التبادل التجاري الذي يصل إلى نحو 35 بليون دولار، فضلاً عن أن السياحة الألمانية تمثل عنصراً مهماً في معادلة العلاقة. ووفق تقرير مؤسسة الإحصاء التركية الصادر العام 2016، فقد احتل السياح الألمان المرتبة الأولى من حيث العدد بواقع 3 ملايين و750 ألف سائح. على صعيد متصل، فإن الخلاف بين تركيا وألمانيا لا يعني نهاية الطريق، فثمة حرص متبادل على تهدئة التوتر.
وتبرز، هنا، دعوة برلين خلافاً لقطاع معتبر من دول الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة مواصلة الحوار في شأن عضوية تركيا في العائلة الأوروبية، على قاعدة الوضوح والحسم، وعدم إقفال الباب في هذا الظرف الصعب، بخاصة أن الإتحاد لا يملك خططاً بديلة لحل أزمة اللاجئين المتدفقين نحو أوروبا سوى التعاون مع الحكومة التركية. خلف ذلك، سمحت تركيا أخيراً لنواب ألمان بزيارة وحدة ألمانية متمركزة في قاعدة انجرليك الجوية التركية في أيلول (سبتمبر) المقبل ضمن زيارة للحلف الأطلسي.
خلاصة القول إن الخلاف بين برلين وأنقرة لا يعني نهاية الطريق، فكلاهما لا يرغب في ذلك إلا أن أردوغان يصعد الأزمة حتى يحصل على اعتراف ألمانيا ومن خلفها الاتحاد الأوروبي بأهمية الخطوة الدستورية التي حوَّلت البلاد لجهة النظام الرئاسي، فضلاً عن تعزيز صدقيته كقائد قادر على مواجهة منافسيه، إضافة إلى القفز على احتقانات الداخل ومواجهة تنامي نفوذ المعارضة. كما يسعى أردوغان من وراء الأزمة مع ألمانيا إلى تبرير سلوكه في مواجهة خصومه في الداخل، وبخاصة أعضاء حركة «خدمة»، وتخفيف الانتقادات التي توجه إلى تركيا بسبب محاكمات قضائية من دون سند قانوني واضح لقطاع معتبر ممن اتهموا بالتورط في الانقلاب الفاشل في تموز (يوليو) 2016.
على جانب آخر، فإن التصعيد المتبادل لا ينفصل عن العملية الانتخابية في ألمانيا التي ستجرى في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل.
الحياة 2017-08-12
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews