مصر الفقيرة والوهم الأوليمبى

أفهم أن يتمنى أى مواطنين كثيرين استضافة بلادنا لدورة أوليمبية.. فهو أمر بالتأكيد يدعو للفخر والفرحة والمزيد من الكبرياء حتى لو كان زائفا أو مؤقتا.. لكننى لا أفهم أن يتسابق مسؤولون حكوميون ورياضيون وبرلمانيون وأيضا زملاء إعلاميون فى الإعلان والإلحاح على ضرورة أن تتقدم مصر بطلب استضافة دورة أوليمبية..

وكأن هؤلاء لا يتابعون الشأن الأوليمبى فى العالم حولنا وكم المدن التى تراجعت عن استضافة أى دورة أوليمبية بعد أن تضاعفت فواتير استضافتها وباتت خسائرها مؤكدة.. لدرجة أن سكان لندن تحمل كل منهم عشرين جنيها سنويا منذ عام 2005 حتى 2017 لتغطية نفقات الدورة الأوليمبية التى استضافتها لندن عام 2012.. فقد دفعت الحكومة البريطانية لكل رياضى شارك فى هذه الدورة أو رياضية مليونا وأربعمائة ألف دولار.. وحتى حين نجحت ريو دى جانيرو البرازيلية التى استضافت الدورة الأوليمبية العام الماضى فى تخفيض تكلفة كل رياضى أو رياضية إلى أربعمائة ألف دولار فقط..

فقد بقيت هذه الدورة رغم ذلك كابوسا للبرازيليين لم يتخلصوا منه ومن آثاره وأوجاعه حتى الآن.. واضطر أولاف شولز عمدة مدينة هامبورج الألمانية إلى مصارحة أهل مدينته قائلا إن فاتورة تحقيق أمنيتهم باستضافة مدينتهم لدورة أوليمبية لن تقل بأى حال عن الثلاثة عشر مليار دولار.. وتراجعت اليابان عن كثير من خططها ومشروعاتها من أجل دورة طوكيو 2020 خوفا من الخسائر الفادحة وغضب الشعب وانتقاداته وسخريته.. وقد اجتمعت اللجنة الأوليمبية الدولية مؤخرا لمناقشة هذا الأمر وتكرار انسحاب واعتذار كثير من المدن الأوروبية والأمريكية الكبرى عن استضافة أى دورة أوليمبية صيفية أو شتوية.. والمزعج فى هذا الأمر أن اللجنة الأوليمبية الدولية رأت أن الحل الأمثل للخلاص من تلك الأزمة هو التوجه جنوبا حيث أفريقيا وآسيا، حيث الأنظمة التى قد تحتاج للدورات الأوليمبية إما لتجميل صورتها سياسيا وإعلاميا أو لتغذية الكبرياء الوطنى وممارسة فن الإلهاء الأوليمبى.. تماما مثلما قام بوتين بمد خط سكة حديد لحوالى ثلاثين كيلومترا من مطار المدينة الساحلية أدلر ثم يعبر الجبال ليصل إلى منتجع التزلج كراسنايا بوليانا من أجل دورة سوشى الأوليمبية بتكلفة تسعة مليارات دولار كأنها ألقيت فى البحر لأن أحدا بعد انتهاء الدورة لم يعد يستخدم هذا الخط.. ولكنها كانت رغبة بوتين الذى أنفق فى النهاية واحدا وخمسين مليار دولار فقط ليقول إن بلاده أقامت أكبر وأعظم استعراض على سطح الأرض..

وأظن أن كثيرا من مسؤولى مصر الحاليين يحتاجون لقراءة كتاب مهم بعنوان.. حدود السيرك- المغامرة الاقتصادية وراء استضافة الألعاب الأوليمبية وكأس العالم.. حيث توصل مؤلفه الدكتور أندرو زيمباليست، أستاذ الاقتصاد، إلى خرافة تجميل الصورة وزيادة السياحة وارتفاع معدلات النمو.. وأعرف أننا لسنا أغنى من أوروبا ولا يليق أن نبقى من فقراء الجنوب الذين تبيع لهم اللجنة الأوليمبية الدولية هذا الوهم.. وألا ننفق أى شىء من أجل التفاخر والدعاية وبناء مشروعات كثيرة وغالية لا نحتاجها والتقدم بطلب الاستضافة لنخسر إذا رفضوه وسنخسر أكثر إذا وافقوا عليه.

المصري اليوم    2017-07-23