على البر مراكبية

بالتأكيد ضحكت مثل مئات الألوف غيرى الذين شاهدوا الفيديو القصير الذى قامت فيه لاعبة التنس كيم كليسترز بدعوة كريس كوين للنزول من مدرجات المتفرجين إلى الملعب لمشاركتها اللعب.. وكان مشهدا ربما تراه ملاعب الويمبلدون الشهيرة لأول مرة فى تاريخها الطويل.. فقد كانت مباراة ودية لزوجى السيدات على ملاعب الويمبلدون هذا الأسبوع.. فريق ضم كليسترز، التى سبق لها الفوز ببطولة الولايات المتحدة المفتوحة ثلاث مرات وتأهلت مرتين لقبل نهائى الويمبلدون للسيدات، ومعها ريناى ستابس.. وفى الفريق الآخر كونشيتا مارتينز وأندريا جاجر.. وبدأت المباراة الودية، وتزايدت بالتدريج حماسة اللاعبات وانفعال مئات المتفرجين فى المدرجات.. وكان كوين أحد هؤلاء المتفرجين الذى بدأ يصرخ فى اللاعبات معترضا على أخطائهن وضعف ضرباتهن ووضع الكرة فى المكان الخطأ.. فما كان من كليسترز إلا أن توجهت صوب المدرجات وطلبت من هذا المتفرج الزاعق والصاخب والغاضب كوين أن ينزل ويشاركها اللعب هى وزميلاتها.. وبالفعل، أعطته مضربا وحرصت على أن يرتدى ثيابا بيضاء التزاما بتعليمات الويمبلدون.. وبالطبع، عجز كوين عن صد أى ضربة، ولم ينجح فى تطبيق أى من نصائحه التى كان يصرخ بها وهو جالس هناك فى المدرجات.. وإذا كان الكثيرون جدا قد أعجبهم وأضحكهم مشهد كوين وهو ينزل من المدرجات ويقف فى الملعب يرتدى فوق ثيابه العادية ثياب التنس النسائية البيضاء.. فإننى توقفت أكثر أمام ما قامت به كليسترز وتخيلت إمكانية حدوثه فى أى مباراة لكرة القدم.. تخيلت مشاهدين ونقاداً غاضبين طوال الوقت ويصرخون بشتائمهم وانتقاداتهم ونصائحهم للاعبين فى الملعب، ثم فجأة يضطر أحدهم لأن يصبح فى الملعب يحاول اللعب.. فهل سينجح فى تمرير الكرة بإتقان وإلى المكان واللاعب الصحيح، أو سينجح فى التصدى لأى هجمة والتغطية الصحيحة وبالشكل الذى كان يتحدث به أو يصرخ وهو جالس هناك فى المدرجات أو أمام شاشة التليفزيون.. أم أننا كلنا سنغنى وقتها أغنية «ع اليادى» للمطربة الكبيرة نجاة الصغيرة.. خلينا من السكة دى على البر مراكبية.. لأننا بالفعل نحب أن نكون مراكبية، ولكن على البر الآمن وليس داخل الماء.. وأى مراكبى طالما يقف طوال الوقت على البر فبإمكانه قول أى شىء ويتخيل نفسه قادرا على أن يكون هو اللاعب المدافع ورأس الحربة وصانع اللعب وحارس المرمى وأيضا المدرب والطبيب والحكم والإدارى، بل رئيس النادى أو رئيس الاتحاد أيضا.. بل إننا لسنا مراكبية فقط على شطآن الرياضة وكرة القدم، إنما على كل شطآن الحياة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو فنية أو علمية أو اجتماعية.. فليس هناك أكثر وأرخص من النصائح المجانية.. وليس هناك أسهل من الانتقاد والصراخ والحديث الزاعق عن العيوب والأخطاء.. حيث نجلس فى أماكننا مستمتعين بالقيام بدور رئيس أو وزير أو أى مسؤول وأى لاعب.. ولهذا كانت كليسترز هى الأكثر ذكاءً وشجاعةً من الجميع حين أجبرت هذا المشاهد الذى لا يعجبه شىء على النزول إلى الملعب أو إلى البحر، وأثبتت أنه لا يعرف اللعب ولا يستطيع العوم.

المصري اليوم    2017-07-22