Date : 16,04,2024, Time : 03:11:21 PM
1672 : عدد القراء حاليا
حالة الطقس
°C
Amman,Jordan
13
اليوم
العليا 22° الدنيا 12°
غداً
العليا 18° الدنيا 12°
أرسل خبر
آخر تحديث: الأربعاء 24 شوال 1438هـ - 19 يوليو 2017م 12:59 ص

العرض الأمريكي لتونس: الصهيونية مقابل الديمقراطية

العرض الأمريكي لتونس: الصهيونية مقابل الديمقراطية
نزار بولحية

لا مال ولا ذهب ولا غاز ولا بترول ولا حتى قواعد عسكرية قد يستخدمها المارينز كما اقتضى الحال في ليبيا، أو ربما في الجزائر. ما يعرضه الأمريكان على تونس مختلف تماما هذه المرة ولن يكلفها حسبما يبدو أي أعباء أو نفقات مالية. 
انهم يرغبون منها باختصار شديد أن تقطع ما تبقى من خطوات للمصالحة الفكرية والنفسية مع الصهيونية، وأن تحجب بالكامل كل الاصوات والمواقف والافكار الرافضة لها، وتقنع شعبها بأن الصهيونية ليست سوى فكرة في سوق الأفكار الحر والمفتوح، وأنه من حق اي كان أن يعتنقها أو يتبناها من دون أن يصبح شيطانا رجيما وعدوا لدودا، وان كل ذلك القدر من الشر والخطورة التي صورها بها خصومها ومناوئها لم يكن سوى ضرب من ضروب معاداة السامية والتجديف غير اللائقين. أما ما يعدونها به في المقابل فهو أن تمنح ديمقراطيتها صك الاعتماد الرسمي الذي يساعدها على تثبيت أقدامها، ويجعلها تحصل على الدعم والرعاية المطلوبين. 
قد تقولون ولماذا اختيرت تونس بالذات لتلك المهمة؟ وهل أن امريكا التي لم نعد نسمع عنها سوى جشع رئيسها وولعه المفرط بجباية المال العربي، مهتمة حقا بتغيير العقول والافكار وكسر الحاجز النفسي السميك بين الشعوب العربية والاسرائيليين؟ والجواب هو أن الرمزية التي حصلت عليها تونس باعتبارها مهد الثورات العربية والبلد الذي ظل يفاخر بأنه الاكثر تعليما وانفتاحا وقربا من اوروبا، وبعدا عن الانغلاق والتعصب الشرقي، هي التي جعلتها مرشحة اكثر من غيرها لأن تكون المنصة المثلى للتطبيع النفسي والثقافي مع ما كان يوصف حتى وقت قريب في وسائل الاعلام المحلية بـ»الكيان الصهيوني». وهذا التطبيع بالذات هو الهدف الاستراتيجي الاكبر لا لاسرائيل وحدها، بل لامريكا ايضا، باعتبار المكاسب العظيمة التي ستجنيها من وراء تحقيقه. قطعا لم يفكر به الامريكان الان فقط، ولا سعوا قبل وقت قصير لتحقيقه ولكن تزامن ظهور ما سمي لائحة اقتراحات قدمها اعضاء في الكونغرس الامريكي لرئيس الحكومة التونسية عند زيارته الاسبوع الماضي واشنطن، كان ابرز ما فيها بندا وصف بـ»المستعجل» يحث فيه النواب تونس على «ضرورة الوقوف ضد كل الاجراءات والقرارات التي تمس مصالح اسرائيل أو تستهدفها في منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، وفي كل المنظمات الدولية التابعة للامم المتحدة»، مع ما يستجد حاليا من تطورات في الخليج ومع ما يروج معها عن وجود اتصالات متقدمة بين اسرائيل وبعض الدول الخليجية، هو ما جعل الامر شديد الاهمية. فما يعرفه الامريكان بالتأكيد هو أن طريق الالف ميل تبدأ بخطوة. 
والخطوة الاولى والاهم بنظرهم هي أن تنأى تونس بنفسها تماما ونهائيا عما يجري في تلك المنطقة الملتهبة من العالم، وان تهتم أولا واخيرا ببيتها الداخلي فقط. انهم لا يقولون لها بالطبع بصراحة وبالمكشوف أن ذلك شرط ضروري لابد منه لاستمرار المساعدة الامريكية، التي وعد ترامب بتقليصها العام المقبل، بل يرسلون فقط اشارات قوية لا تخطؤها العين على انه لابد للتونسيين من أن يفكروا مليا ببلدهم، وان يضعوا مصالحهم قبل أي اعتبار آخر، وأن ينظروا للامور بمنطق براغماتي صرف ويتخلوا عن العواطف والمشاعر والمبادئ التي لن تغنيهم أو تطعمهم من جوع. 
وهنا قد يرد البعض بأن كل ذلك ليس سوى استنتاج متحامل، فيه الكثير من المبالغة والتجني. وان ما اقترحه بعض اعضاء الكونغرس لا يعكس بالضرورة موقف الادارة الامريكية أو وجهة نظرها، وأن رئيس الحكومة التونسية، قال من جانبه في إحدى الاذاعات المحلية بأن تونس «غير معنية» بذلك البند بالذات من لائحة المقترحات المذكورة. ولكن هل كنتم تتصورون أن يخرج ترامب أو وزير خارجيته ليعلن على الملأ بأن الصهيونية في كفة وديمقراطية تونس في الكفة المقابلة؟ وهل كنتم تتوقعون أن يظهر مسؤول رسمي تونسي في هذا الوقت بالذات ليقول بالفم مليان ومن دون لف ولا دوران «نعم لقد قالوا لنا طبعوا مع اسرائيل نطبع معكم، ونمنحكم كل ما تحتاجونه من مال وأمن واستقرار ورفاه؟». أليس الافضل والاسلم للجميع أن تتم العملية بسلاسة وبعيدا عن التعقيدات الرسمية؟ إن ما يعرضه الامريكان على تونس يتعدى انتزاع موقف سياسي رسمي، يعلمون مسبقا انه سيرتبط في الاخير بالموقف الجماعي العربي. إنهم يطلبون منها أكثر من كامب ديفيد ووادي عربة وشرم الشيخ، التي لم تنتج تطبيعا نفسيا وثقافيا مع الصهيونية، وخلفت بالمقابل «سلاما» ساكنا وباردا لاسرائيل مع مصر والاردن، لم يجعل الشعوب العربية تبدل نظرتها التقليدية إلى ما ظل يعتبر العدو التاريخي للامة.
ولكن قبل الوصول إلى ذلك اليوم الذي سيقف فيه مندوب تونس في اليونيسكو رافضا التصويت على أي قرار يمس اسرائيل أو يسيء لها، فانها ستجتاز سلسلة اختبارات صعبة. قد يكون اختبار اليوم اي التاسع عشر من الشهر الجاري واحدا من اكثرها حساسية ودلالة. فالليلة بالذات يصعد وفق البرنامج الذي سطره المشرفون على مهرجان قرطاج على ركح المسرح الاثري كوميدي صهيوني معروف هو ميشيل بوجناح. ولتفهموا أبعاد الحفل، يكفي أن تقرأوا بعض فقرات البيان الذي أصدرته وزارة الثقافة في أعقاب الضجة التي حصلت عند الاعلان عن العرض. فبعد التذكير بالثورة التي حصلت في تونس، خلص البيان إلى انها اي الوزارة «لا تتدخل في المضامين والمحتويات التي يتفق حولها أعضاء الهيئات والجمعيات المديرة للمهرجانات والتظاهرات» تقيدا بقيم الدستور، ثم أشار بشكل سريع إلى أن « مناصرة القضية الفلسطينية من ثوابت السياسة التونسية، بما فيها الثقافية»، قبل أن يؤكد في الاخير على انه «اعتبارا لحساسية الموضوع واتخاذه مسارا سياسيا خرج عن سياقه الثقافي، فإن الوزارة ستقوم بالمشاورات المتصلة مع الاطراف ذات العلاقة، في نطاق التشاور والتشاركية في اخذ القرار، انسجاما مع المصلحة الوطنية العليا التي تعلو فوق كل اعتبار».
إن ما يعنيه ذلك ببساطة هو انه لم تعد هناك لا مبادئ ولا ثوابت ولا قيم ولا عدو يسمى الصهيونية، وان كل شيء بات مفتوحا للمراجعة وقابلا للاخذ والرد من باب ما تكفله ديمقراطية تونس من حقوق وحريات واسعة وعريضة. والكلمة التي سيغطى بها كل ذلك في الاخير هي المصلحة الوطنية. لقد قال مدير مهرجان قرطاج في تصريح اعلامي إنه «لا يمكن التراجع عن العرض، لأن الامر بات يتعلق بهيبة الدولة ومصيرها، حيث لا يمكن التلاعب بمصير السياحة التونسية ومقاطعة السياح لبلادنا في صورة الغاء العرض». مضيفا أن «تونس في موقع ضعف حاليا ومن الضروري أن يتفهم الجميع هذه المرحلة». وما سيقوله التونسيون الليلة هو إن كانوا سيقبلون بالعرض الامريكي بأن يكون التصالح مع الصهيونية هو مفتاح النجاح لديمقراطيتهم أم لا؟ ومهما كان جوابهم فانه سيعني الكثير لمن يرسمون على الورق في واشنطن وغيرها خرائط المنطقة ومصائر الشعوب. 

القدس العربي 2017-07-19




مواضيع ساخنة اخرى

استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
استـ خبارات روسيا: النـ اتو هو من يقود الهجـ مات المضادة وليس الجيش الأوكـ راني
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
شاهد تركيا يقـ تل حماه بالرصـ اص ثم يـ صرع طليقته في وضح النهار
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
إيطاليا تقهر هولندا وتخطف برونزية دوري الأمم
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
السعودية: الثلاثاء 27 حزيران وقفة عرفة والأربعاء عيد الأضحى
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
رسميا.. أول مرشح يعلن خوض انتخابات الرئاسة في مصر
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
واشنطن : إصابة 22 عسكريا في حادث تعرضت له هليكوبتر بشمال شرق سوريا
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
هنا الزاهد تصدم جمهورها بصورة لها قبل عمليات التجميل!
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
جديد صاحبة الفيديو المشين لطفليها.. تورط ابنها وزوجها الثاني في المصر
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
سماع دوي انفجار في العاصمة الأمريكية واشنطن (فيديو)
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
البنتاغون يندد بتصرفات الصين "الخطرة" في آسيا
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
78 زعيما دوليا يشاركون في مراسم تنصيب أردوغان السبت
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
أوغندا تقر قانونا يجرم المثلية الجنسية وبايدن غاضب ويهدد بقطع المساعدات
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
لبنان.. اختطاف مواطن سعودي في بيروت
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
السودان.. اشتباكات كثيفة في الخرطوم قبيل انتهاء الهدنة
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
رغم انتصاره الكبير في باخموت.. قائد فاغنر يحذر من تبعات خطير
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
الضفة: إصابات بينها برصاص الاحتلال وهجوم للمستوطنين على فلسطينيين
  • لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
مواضيع شبيهة
يمكنك أيضا قراءة X


اقرأ المزيد