النمر الهندي عضوا في منظمة شنغهاي
في مقال سابق تحدثنا عن قبول الهند وجارتها اللدودة باكستان كعضوين فاعلين في "منظمة شنغهاي للتعاون" بعد أن كانتا تحظيان بصفة مراقب. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف ستستفيد الهند من هذه العضوية؟ أو ما مردود العضوية عليها؟ بطبيعة الحال لا يمكن القول إن منظمة شنغهاي منصة صالحة لإيجاد حلول للخلافات الهندية ــ الباكستانية المزمنة؛ وعلى رأسها النزاع حول كشمير الذي ترفض نيودلهي تدويله أو أقلمته، بدليل ما حدث حينما عرض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استعداده للتوسط في أثناء زيارته للهند أخيرا، فكان رد المسؤولين الهنود ما معناه "وفر جهودك لحل أزمة بلادك مع اليونان حول قبرص". وبالمثل لا يتوقع أن يفضي وجود الهند داخل هذه المنظمة التي تقودها دولتان إحداهما في حالة نزاع حدودي معها (الصين)، والأخرى وريثة حليفتها الاستراتيجية زمن الحرب الباردة (روسيا) إلى حل لاحتلال الصينيين أكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر مربع من الأراضي الحدودية الهندية منذ عام 1962. لكن على الأقل يمكن توقع تجميد الخلافات الهندية ــ الصينية واحتواء أي تصعيد لها، وانصراف البلدين إلى التعاون المشترك في إطار المنظمة، أي كما تعمل موسكو مع بكين اللتين تتنافسان فيما بينهما لكنهما تتعاونان في الوقت نفسه ضد ملفات عدة مثل مواجهة التمدد الأمريكي، ومكافحة الإرهاب والحركات الجهادية، والتصدي للحركات الانفصالية. وما لا شك فيه أن عضوية الهند في المنظمة إلى جانب جمهوريات آسيا الوسطى الأربع (كازاخستان، أوزبكستان، طاجيكستان، قيرغيزستان) تعني تغلغلا هنديا أوسع في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة الرابطة بين الغرب والشرق، والغنية بالطاقة والمعادن. ولعل ما يسهل عليها المهمة هو أنها تحظى بميزة لا تتوافر لغيرها. وتتمثل هذه الميزة في تاريخها الثقافي والحضاري الطويل مع منطقة آسيا الوسطى الذي يعود إلى قرون من حكم الملوك المغول لها قبل وقوعها تحت السيطرة البريطانية. وهناك ميزة أخرى هي أن الهند كانت على تواصل مع رموز وشعوب جمهوريات آسيا الوسطى على مدى عقود من خلال شراكتها الاستراتيجية مع الاتحاد السوفياتي السابق (بينما كانت الصين معزولة عنها لمدة طويلة بسبب الخلاف الأيديولوجي بين موسكو وبكين). في مقابل هذا يملك الصينيون والباكستانيون ميزة لا تتوافر للهنود؛ هي اتصالهم الجغرافي المباشر بأراضي دول آسيا الوسطى. فالصينيون يتصلون بالأخيرة عبر تركستان الشرقية، والباكستانيون عبر الأراضي الكشميرية الخاضعة لهم، بينما لا توجد حدود مشتركة للهند مع أي من هذه الدول. والمعروف أن نيودلهي قرأت جيدا الحقائق الجيوسياسية والجيواقتصادية الناجمة عن انفراط عقد الاتحاد السوفياتي، فشرعت منذ مطلع التسعينيات في إيجاد موطئ قدم لها في جمهوريات آسيا الوسطى تحديدا، خصوصا مع استشعارها بالمحاولات الصينية الحثيثة لاختراق الأخيرة والسيطرة على مواردها الكثيرة، ولا سيما النفطية منها، من خلال ضخ الاستثمارات، ومنح القروض واستقبال الطلبة في جامعاتها، وصولا إلى طرح مبادرة طريق الحرير المعروفة بـ "حزام واحد وطريق واحد". غير أن الهند تخلفت عن الصين كثيرا لجهة التغلغل في هذه المنطقة، بسبب عدم قدرتها على مجاراة الصين في القروض والاستثمارات والمعونات والمنح. وهكذا وجدناها تعزز نفوذها هناك من خلال تقديم المساعدة في مجال تتفوق فيه على الآخرين وهو مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات. فقامت على سبيل المثال بتوفير شبكات ربط في مجال التعليم والعلاج بين دول المنطقة، مع إرسال أطقم الفنيين المهرة واستقبال الموهوبين في كلياتها التقنية. أما الأمر المثير حقا، الذي أزعج الباكستانيين والصينيين كثيرا، لكنه يبدو مدعوما دعما غير مباشر من موسكو، فهو نجاح الهنود في إقامة قاعدة جوية لهم في مدينة فارخور الطاجيكية، وحصولهم على موافقة الطاجيك على استخدام قاعدة عسكرية أخرى هي "قاعدة إيني" المهجورة منذ عام 1985، التي أنفقوا نحو 70 مليون دولار على تجديدها وتسويرها وبناء مدرجاتها وأبراجها الملاحية ومخابئها السرية، فصارت اليوم مكانا يرابط فيه سرب من المروحيات وسرب من المقاتلات الهندية، بل أيضا مكانا لتدريب الكوادر العسكرية الطاجيكية وتبادل الخبرات القتالية والفنية من أجل التصدي للإرهاب العابر للحدود. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الهندية "ناريندرا مودي" قدم خلال زيارته لطاجيكستان في العام الأول لتوليه السلطة (2014) مساعدات لهذا البلد بقيمة 40 مليون دولار، وكانت تفاصيلها كالآتي: إلغاء ديون مستحقة للهند بقيمة عشرة ملايين دولار، هبة بقيمة خمسة ملايين دولار، وقروض بقيمة 25 مليون دولار. إجمالا يمكن القول إن استفادة نيودلهي من عضوية منظمة شنغهاي يمكن تلخيصها في: الحصول على الطاقة عبر ممرات برية أكثر أمانا من الممرات البحرية، علما بأن الهند هي سادس أكبر مستهلك للطاقة في العالم ويرتفع استهلاكها بنسبة 5 في المائة سنويا؛ الاستفادة من مخزون اليورانيوم الكازاخي الضخم لتشغيل مفاعلاتها النووية الـ 21؛ التعاون والتخطيط المشترك في مجال مكافحة الإرهاب والحركات الجهادية التي تضع الهند هدفا دائما لها؛ تنشيط حركة الصادرات الهندية المتجهة إلى آسيا الوسطى، حيث إن حجم تجارة الهند مع دول آسيا الوسطى مجتمعة لا يتجاوز 1.6 مليار دولار؛ الدفع باتجاه تفعيل "اتفاقية عشق أباد" الخاصة بالنقل متعدد الوسائط، التي تشتمل على ممر دولي لنقل البضائع من مومباي الهندية إلى موسكو عبر ميناء بندر عباس الإيراني وأراضي دول آسيا الوسطى؛ تعزيز الحضور الثقافي الهندي في المنطقة باستخدام وسائل القوة الناعمة مثل الأفلام السينمائية والمهرجانات الثقافية وتبادل آثار المتاحف ونشر رياضة اليوجا والترويج لمعالم الهند السياحية وغرائبها وعجائبها.
الاقتصادية 2017-07-19
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews