الموصل : تحرير .. أم تدمير ؟؟
لا يختلف اثنان أن لجان التحقيق التي أعلن عنها حيدر العبادي بخصوص جرائم الموصل التي ارتكبتها قواته وقوات الحشد الشعبي بعد طرد تنظيم داعش الإرهابي منها ستكون على شاكلة اللجان الأخرى التي سبق وأعلن عنها في الفلوجة والأنبار وتكريت وحزام بغداد وغيرها .
العبادي الذي كان يرد على تقرير Human Rights Watch عن ارتكاب القوات العراقية جرائم حرب قال ما لم يقله أحد من قبله ، أللهم خلا الملالي الإيرانيين الذين يعتبرون إبادة الناس من غير ملتهم ومذهبهم فرضا عينيا لمن استطاع إليه سبيلا ، وذلك حين تساءل رئيس الوزراء " العضو في حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري الملكي " عن غياب هذه المنظمة حينما كان داعش يفعل الأفاعيل لمدة ثلاث سنوات ، مغفلا أن التقرير حمل داعش ، وحمل جيش العبادي وميليشياته مسؤولية هذه الجرائم ، وفي نفس الوقت ، فقد أراد العبادي أن يقول بأن هذه الجرائم تأتي مقابل جرائم داعش ، أي وفاء للحساب ، متناسيا أنه رئيس حكومة بلد عضو في الأمم المتحدة وعليها مسؤوليات تجاه مدنها وناسها بينما لا تعتبر داعش سوى منظمة إرهابية لا يعترف بها أحد .
لقد عجت مواقع التواصل والأنترنت بفيديوهات مسربة وغير مسربة ، ولا زالت ، عن جرائم يقوم بها ضباط وأفراد في القوات العراقية والميليشيات بحق المدنيين والنساء والأطفال ممن بقي حيا في الموصل من غير النازحين في المخيمات ، بل وفيديوهات عن جرائم ارتكبتها ميليشيا بدر الإيرانية التي يرتدي أفرادها وضباطها زي القوات العراقية ، هي وغيرها من ميليشيات إجرامية ، وفي نفس الوقت ، يجيء رئيس الحكومة " المنتخبة " بموجب انتخابات لم يشرف عليها أحد ، مستندة لإحصاء لم يجر أصلا ، بتبرير هذه الأفاعيل بدعوى أن كل حرب لا بد أن يقع فيها تجاوزات ، مع أن الموصل دمرت عن بكرة أبيها ، بفعل القصف الجوي والمدفعي والصاروخي .
وإذا كان المثقفون فقط يدركون حقيقة الأسماء ومعانيها في معركة الموصل ، فإنه لا بد لي من تذكير القارئ الكريم أن الموصل القديمة التي أجلت تدميرها القوات العراقية بمساعدة الأمريكان والغرب لتكون آخر ما يتبقى من المدينة بيد التنظيم ، ليست سوى " نينوى " التاريخية التي أسست قبل الميلاد بخمسة آلاف سنة ، وحكمها الأشوريون إلى أن احتلها الفرس الساسانيون عام 225 قبل الميلاد ومن ثم قضوا على حكم آشور وجعلوها مدينة فارسية خالصة ، قبل أن يفتحها الصحابي الجليل عمر بن الخطاب - ألد أعدائهم - الذي أطلق عليها اسم الموصل ، والذي قضى على أمبراطورية فارس قضاء مبرما في معركة القادسية الشهيرة ، ليتحول كل أهلها إلى مسلمين سنة قبل أن يأتي إسماعيل الصفوي وينشر مذهبه بقوة السيف وعلى طريقة محاكم التفتيش .
وعودة إلى العبادي ، فإنه لم يتحدث أبدا عن آلاف الضحايا المدنيين الذين سقطوا في الموصل ، نساء وأطفالا ورجالا وشيوخا ، ولا أولئك الذين لا زالوا تحت الأنقاض ولم يتطرق إلى عمليات الإخفاء التي تحدثت عنها المنظمة الدولية ، حيث ينظر إلى كل شاب سني في الموصل على أنه داعشي ويجب قتله أو إخفاؤه ، وهكذا كان مع آلاف الشبان المفقودين من أولئك النفر الذين سيتكشف مصيرهم عندما يبرد الناس من حمى المدافع والصواريخ والغارات التي استمرت تسعة شهور بلياليها .
وإذا كان هناك من سؤال يوجه للعبادي ولغيره ، فإنه يتعلق بمنع الصحفيين والمراقبين الدوليين ومنظمات المجتمع المدني من الوصول إلى الموصل ، وبالتأكيد ، فإن حجم الجرائم التي ارتكبت في هذه المدينة تجعل من ذلك أمرا مستحيلا ليس فقط بالنسبة للعبادي وميليشياته ولحزبه ولنظام الملالي ، ولكن للأمريكان والبريطانيين والفرنسيين الذين بثوا الجمعة ولأول مرة صورا لمدفعيتهم وهي تدك أحياء الموصل ليلا نهارا .
لقد جنت إيران وأزلامها وميليشياتها على العراق وعلى العراقيين بمختلف فئاتهم ومذاهبهم وأثنياتهم ، عندما منعت تطبيق العدالة في بلد متعدد المذاهب والإثنيات ، وأوعزت للمالكي بفض اعتصامات السنة وبقتلهم وبوصفهم بـ " الفقاعة " وهو ما استغله تنظيم داعش الإرهابي ، وبعد تدمير الموصل ها هم أهالي بابل الشيعية يرفعون صورا لـ 500 قتيل من محافظتهم فقط ممن قتلوا في الموصل ، من خلال مسيرة جابت شوارع المدينة ، بينما لا زال العبادي يتكتم على حجم القتلى من بين قواته ، والذين تقول بعض المصادر إنهم ينوفون عن 12 ألف قتيل في معركة الموصل وحدها .
أليس أغلب هؤلاء عراقيين بسطاء ، فبأي حق يقتلون قربانا لخامنئي ولملالي طهران ، وما هي نتيجة هذا القتل سوى مزيد من السيطرة الفارسية على العراق ؟ .
وأختم بما قاله قاسم سليماني قبل يومين : " إن الجيش العراقي يوشك أن يكون جيشا عقائديا " .
وبالمناسبة ، فإن الرجل لا يتبجح .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews