إيران تلعب بـ " الثلج "
ما نقلته وكالات إعلام إيرانية الخميس الفائت على لسان خامنئي حول قصف سوريا بالصواريخ ،هو ما كنا كتبناه أكثر من مرة عن أن هذا البلد المارق سعّر حربه الطائفية على البلاد السنية انطلاقا من مبدأ عقدي ، خاصة وأن ما سمي بالثورة الإيرانية بعد مجيء الخميني من منفاه في باريس أواخر السبعينيات ، لم يكن في حقيقته سوى ثورة على السنة انطلاقا من مبدأ " تصدير الثورة " الذي لا زال مستمرا إلى الآن ، ونشهد آثار ذلك في أكثر من مكان ، حيث رُسخت سلطة مطلقة لرجال الدين وللحرس الثوري الذي بات يهيمن على كل مفاصل الدولة وأكثر من ثلثي اقتصادها وفق بعض القراءات .
ماذا قال خامنئي ؟ .
المرشد الأيراني ، نائب المهدي المنتظر ، وخلال اجتماعه مع قادة الحرس الثوري عقب الضربة الصاروخية المزعومة لدير الزور ، قال بأن " قصف دير الزور هو عبادة وتقرب إلى الله في رمضان " قبل أن يتضح وفق بعض المصادر أن الصواريخ الأيرانية سقطت في العراق ولم تكمل طريقها ، هذا في حال أطلقت صواريخ أصلا كما علق خبراء ، لعدم وجود إمكانيات تكنولوجية توجيهية لهذه الصواريخ إلا بالإعتماد على الأقمار الصناعية الروسية أو الحليفة كما سبق وذكرنا ذات مقال .
وعندما يطلق خامنئي تصريحا كهذا ، وعندما يسمح لوكالات الأنباء بتسريبه ، فإن الأمر ليس عاديا لا بمعناه ولا بمغزاه ، حيث بات من الجلي الواضح أن المعركة التي تدور رحاها هذا الأوان في العراق وسوريا واليمن ( بالنسبة لإيران ) هي حرب طائفية يغذيها الغرب والشرق على السواء لتحقيق أهداف سياسية أخرى مرئية وغير مرئية ، ، لدرجة أن تدمير المدن السنية وقصفها وقتل وتشريد أهلها هي " عبادة " عند الولي الفقيه الطاعن في الشعوذة .
والمؤسف في كل ما نسمعه ونقرأه هذه الأثناء ، هو غياب العرب والمسلمين عموما عن " طبخة " إعادة بناء النظام الدولي الجديد الذي تتصارع على بنائه الآن الدول الكبرى والإقليمية ، ومنها إيران للأسف ، سواء في هذه المنطقة من العالم أم في مكان آخر .
وإذا كانت الشعوب العربية المغلوب على أمرها ثارت على الطغيان في عدد من البلدان ،فإن ما اكتشفناه بعد هذه الثورات أنها لم تكن ثورات شعبية تواجه حكاما مستبدين فقط ـ بل ثورات وجدت نفسها في مواجهة الدول الكبرى المهيمنة على النظام الدولي الذي يجري العمل على تغييره وبالتدخل العسكري إن تطلب الأمر ، ومن هنا يتضح سبب فشل هذه الثورات في جميع دول الربيع العربي حتى في تونس التي عاد يحكمها الحرس القديم والدولة العميقة كما قال المنصف المرزوقي في حوارات تلفزيونية .
إن تصريح المرشد الإيراني يدغدغ الغرب الذي لا يريد خيرا بالمنطقة ولا بأهلها ، والذي هو جد سعيد بإشعال الإيرانيين بقيادة الملالي للحرب الطائفية بين الشيعة الذين هم أقلية لا تكاد تذكر في العدد والعدة والإمكانيات ،وبين السنة الذين يشكلون الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها ، والذين يخشاهم الغرب باعترافات قادته ومؤسساته ومراكز بحوثه ، وإذا تحدثنا عن الإمكانيات ، فإنه لا بد من دعم هذه الأقلية ، كما يحدث في سوريا ، وإتاحة المجال لهم بالسيطرة والحكم والنفوذ ، ومن هنا جاء تصريح ماكرون الأخير حول بقاء الأسد في السلطة ، وتصريح تيلرسون الجمعة والذي قال فيه " إن تغيير الأسد ضروري ولكن الطريقة لذلك غير معروفة " وتصريح بوتين السبت من أن تغيير الأسد شأن لا علاقة لأحد به سوى السوريين ، دون أن نهمل المصالح الفرنسية في إيران وعقود شركاتها العملاقة ، ودون أن ننسى بأن الفرنسيين هم أنفسهم من أنشأ دولة علوية في سوريا إبان الإحتلال الفرنسي في الثلث الأول من القرن المنصرم .
إن ما يريده ترامب شيء ، وما ترغب به المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة شيء ، ويكفينا دليلا على هذا اعتراف البنتاغون بأن الصاروخ الذي أطلقته كوريا الشمالية الأربعاء بإمكانه تخطي 6 آلاف كيلو متر والوصول إلى ألاسكا ، بينما ظلت تهديدات ترامب العاجز تلعلع على تويتر بطريقة مملة مكتفيا بتطيير قاذفات بالتعاون مع سيؤول في استعراض عقيم للقوة .
لقد خمدت إيران لعدة شهور ، وكانت في حالة جس نبض مع رئيس أمريكي جديد ، وها إنها عادت إلى الجعجعة بعد أن تبين لها بأن تهديدات ترامب لها ولغيرها مجرد رغاء ، وها هي تطلق على لسان مرشدها تصريحا هو الأول من نوعه في تاريخ دولة الملالي ، حينما يعتبر أن تدمير المدن السنية بصواريخ إيرانية هو " عبادة وتقرب إلى الله في رمضان " .
إيران ، التي تلعب بالنار إذا ما تعلق الأمر بقوة الولايات المتحدة وبطشها ، باتت الآن تلعب بالثلج وأعادت سيرة العربدة في البراري والقفار والبحار ، معتمدة على حليف روسي بات الآن في أمس الحاجة إليها بعد أن شرع الأمريكيون في بناء قواعد عسكرية في سوريا وإنزال آلاف الجنود داخل ذلك البلد المراد تقسيمه لدويلات يعتبر من يشكك بها مغفلا وساذجا ويقرأ الأحداث بالشقلوب .
آخر المعلومات تقول : إن الإيرانيين وافقوا على منطقة آمنة في الجنوب السوري بمحاذاة الجولان لصالح إسرائيل ، مقابل اعتراف أمريكي - إسرائيلي بدورهم في مناطق أخرى من سوريا ..
وما خفي أعظم .
د.فطين البداد
مواضيع ساخنة اخرى
- لمزيد من الأخبار تواصل معنا عبر :
- تابِع @jbcnews